تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
بقلم : د ايناس عبد الهادي الربيعي / مركز النسيم للدراسات الاستراتيجية
إن التحدي الدستوري في العراق يتمثل في صورتين الاولى دوره المهم في صنع السلام و بناء الدولة حيث أن البرلمان العراقيسبق وان واجه تحدي تعيين وتكليف وتشكيللجنة لمراجعة التعديلات الدستورية ، فالمجموعة الأولى والأساسية من الأسئلة هي سياسية وتتلخص في ما الذي أصاب عملية كتابة الدســتور ؟ وكيف يمكن بناء الإجماع، وبشــكل خاص كيف يمكن تشــجيع اطراف العملية السياسية علىالقبول بالعراق الاتحادي ؟ كيف يمكن تشــجيع قادة العملية السياسية على تقديم تنازلات دســتورية ذات قيمة لصالح الوطن.
والمجموعة الثانية من الأسئلة قانونية وهي ما هو الحد الأدنى اللازم من التعديلات الدستورية لإيجاد دولة عراقية قابلة للاستمرار؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار موقف اطراف العملية السياسية دفاعا عن الدولة العراقية؟ وهل يمكــن أن تلقي التنقيحات القانونية أو الفنية للنص الدســتوري الهادفة إلى زيادة قدرة الدولة العراقية على الحكم تأييدا من جميع اطراف العملية السياسية ، ومن ثم يمكن أن تتحقق مكاســب سياسية واضحة؟ وأضافة الى ذلك تتوارد أسئلة قانونية إضافية تعد ملحة وإن كانت لا تتعلق مباشرة بأطراف العملية السياسية، وعلى وجه الخصوص ما هو الحد الأدنى اللازم للتعديلات الدســتورية لضمان الاجماع عليها أضافة الى ذلك ســيكون من الصعب للغاية تمرير التعديلات الدســتورية من أي نوع، وبخاصة التعديلات التي تهدف إلى تحويل الســلطة من الأقاليم العراقية إلى الحكومة المركزية، لكون مصالح الأقاليم هي العليا دســتوريا وسياســيا، وليس ثمة ما يدعو لتوقع أن ترى الأطراف الفاعلة في العملية السياسية ضرورة
إدخال تعديلات على نصوص دستورية تعمدوا هم أنفسهم ترتيبها بشكل معين، وإن كان على عجل ، ولذلك يجب بحث ســبل قانونية لحل الخلاف على التعديلات الدســتورية كوسيلة لمعالجة أوجه القصور السياسية والقانونية في الدستور، ونظرا إلى الطبيعة الملحة والمعقدة للاتفاق اللازم على الدستور، يجب على لجنة مراجعة التعديلات الدستورية العمل على وضع توصيات تتفق وحسب الظروف والأحوال، ليس فقط من أجل التعديلات الدستورية، وإنما أيضا فيما يتعلق بالقوانيــن، والاتفاقـيـات الدولية وإن أمكن التوافقات بين الأحزاب، بحيث تشــجع كلها الالتزام السياسي بالدستور العراقي بما يضمن استمرارية الدولة العراقية.
إن التوصل الى صيغة من ثلاثة أجزاء تتعلق بإقامة أقاليم جديدة وبالنفط وبرسم حدود السلطات وتوزيعها بين الحكومة المركزية والأقاليم، تقدم وسيلة إلى لجنة مراجعة الدستور لمداواة الجروح التي تسببت فيها أوجه الضعف والقصور في عملية صياغة الدستور عام ٢٠٠٥ والتي لن تتطلب إدخال تعديلات كبيرة على مواقفهم الدستورية.
مع تشــكيل حكومة عراقية جديدة، وبدأ الهيئة التشريعية العراقية الجديدة وهي مجلس النواب مهامها التشريعية والتي يقع من ضمنها متابعة عملية تعديل الدســتور، كثيرا من العراقيين يعلقون آمالهم على عملية التعديل تلك كوسيلة لاستعادة دولة عراقية وحدوية لإن عملية تعديل الدستور العراقي تقدم فرصة حقيقية، وإن كانت عابرة، لإنجاز اتفاقات سياســية وقانونية كبرى يمكن أن تكون لمصلحة كافة أطراف العملية السياسية على حد ســواء.
إن عملية التعديل وأن كانت لن تؤدي إلى تعديلات دســتورية حقيقية كثيرة، ولكن يمكن الاســتعانة بها بصورة إبداعية للتشــاور والتنســيق بخصــوص المفاوضــات بين الأحزاب وإعداد برنامج تشــريعي موجه من أجل نجاح الحكومــة الوطنية العراقية إن لم يكن من أجل إيجاد حكومة قوية.
إن الدستور العراقي الدائم والذي تم التفاوض عليه في صيف وخريف عام ٢٠٠٥ لم يف بأهم معيار أساسي في صنع الدستور الا وهو الإجماع الكافي ،ولذلك نجد أنه لم ينجح في جذب تأييد كل الاطراف السياســية في البلاد ، في حين تظهر الاحصائيات بأن أغلبية ســاحقة من السكان أدلت بأصواتها خلال عملية الاستفتاء عليه .
إن الدستور العراقي المؤقت ،أو قانون أدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لعام 2004 والذي تمت صياغته في خلال فترة النفوذ الأميركي في البلاد افترض بوضوح موافقة كل من الكتل السياسية الثلاث الكبرى الأكراد والعرب الشــيعة والعرب الســنة على نص الدســتور النهائي وهو ما نجده كان الهدف من النص الخاص باعتراض ثلاث محافظات على الدستور الدائم والذي يعتبر السمة الأساسية للقانون الإداري الانتقالي.
نعم، لا يمكن لأحد أن يتوقع دستورا للعراق يتوافق عليه كل العراقيين وبالمقابل، لا يمكن ان تعد ان اعداد دستورا للعراق بحيث لا يؤدي إلى عزلة أي من الكتل السياســية الثلاث الكبرى في البلاد امرا هينا ، وعلى أقل تقدير كانت العملية الدستورية عام ٢٠٠٥ فرصة ضائعة لخفض التباين في الآراء بين اطراف العملية السياسية، ولكن المفارقة التي تنبعث من صميم المأســاة السياســية هذه هي أن الدســتور كنص قانوني من الممكن ان يكون قاعدة معقولة لنظام حكم عراقي قابل للتطبيق، او يمكننا القول قد يكون الأســاس الوحيد لذلك، والســمة الموجودة في الدســتور والتي تبدو أكثر السمات إثارة للاعتراض هي إنشاء اقاليم مســتقلة، ولكن من الصعب تصور بنية مختلفة لدولة في بلد خلقت فيه الســلطة والثقافة والاختلاف العرقي والاختلاف المذهبي ، والنظام العشائري كيانات إقليمية بحكم الأمر الواقع عبر مؤسسات تملك صلاحيات وسلطات ، وكيانات يمكن تقسيم الأقاليم على أساسها والتي ليســت بالضــرورة ان تكون دائمــة، ولكنها بالتأكيد يمكن أن تســتمر طويلا، ويبدو جليا أن المؤسســات الإقليمية راغبة في الحكــم، وهي في حالة إقليم كردستان على الأقل وبغض النظر عن المشاكل السياسية التي شابت صياغة الدستور العراقي توجد بعض أوجه القصور الجوهرية، خاصة في الجانب القانوني وهو ما كان له الدور الكبير في الإسهام في فشل الدستور السياسي كان مظهره نص دستوري لم يف بأعلى معايير الصياغة ولم يقدم على المستوى الفني رؤية متماسكة كلية للدولة العراقية حيث أصبح النص الدســتوري الآن محل عدة تحليلات قانونية متعددة منها ما يعدد أوجه القصور في النص، حيث يتناول بعض هذه التحليلات تلك النصوص الدستورية من جوانب يعتقد أنها لا تصل إلى مســتوى أفضل النماذج الاتحادية في التطبيق، وعلى الأخص تلك الجوانب التي لا تنص على دولة عراقية قوية، وعلى ســبيل المثال يقضي الدســتور العراقي بأن الحكومة المركزية لا تملك ســلطة فرض ضرائب في الأقاليم إذا ما اعترضت هذه الأقاليم، ولا تنفرد بسلطة تنظيم قطاع النفط العراقي، مع وجود اعتراف بأن حكومة إقليم كردســتان تحتفظ بقوات مسلحة على حســاب الســلطة العسكرية المركزية ، أضف الى ذلك في بلد ديمقراطي برلماني لا يملك رئيس الوزراء سلطة إقالة الوزراء في الحكومة بدون موافقة البرلمان وفقا لأحكام المادة( ٧٧) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، لذلك تظهر الدولة العراقية على الورق وعلى أرض الواقع ربما تكون أضعف نموذج اتحادي في العالم ، وتعزي بعض التحليلات القانونية للدســتور العراقي أوجه القصور هذه إلى صياغة غير محبوكة أو متعجلة، ولكن الأمر الذي غاب عن هذه التحليلات هو أن الأغلبية التي كتبت الدســتور العراقي عام 2005 كانوا يســعون إلى النتيجة الدســتورية التي تحققت بالتحديد فرض عراق مقســم إلى أقاليم محددة مع حكومة مركزية ضعيفة منزوعة الســلطات ، وهو ما يتضح في المواقع التي تكون فيها لغة الدســتور مبهمة كما في النصوص الخاصة بالنفط والتي تعكس عجز الأطــراف في الاتفــاق على التفاصيل، ولكن لم يكن هناك خطأ في الصياغة أســفر عن وضع هش للحكومــة المركزية على النحو الظاهر في الدستور.
وهو ما يتضح جليا حتى عبر الكثير من التعليقات الدولية والتي رغم تقبلها لأمور كثيرة أغفلت النقطة الرئيســية بشــأن عملية صياغة الدســتور في العراق حيث إن التقســيم إلى أقاليم محددة كان مقصودا، وهو ما يتضح من خلال النص الذي يرهن قانون الحكومة المركزية بســائر قوانين الأقاليم وفقا لأحكام المادة (١١5) والذي يتضح أنه يحتاج إلى التعديل لأنه ربما يؤدي إلى انهيار البنية الاتحادية للعراق، حيث يظهر انه من المؤكد أن المادة (١١٥ ) تطرح مشــاكل خاصة أمام اســتمرارية الدولة العراقية، ولكن توقع أن يعدل البرلمانيون العراقيون النص لهذا الســبب يعني غياب إدراك التيار السياســي الكبير للسياسة العراقية المعاصرة ، المنضوية بشكل مرن في اتحاد سياسي وليس الاتحاد الفيدرالي الذي يصوره دستور العراق عن البلاد ،وبشكل أكثر دقة يجب أن يكون التصــور عــن جمهوريــة العراق هو أنها دولة مشــابهة للكيانات المنبثقة عن الاتفاقيــات الدولية كالاتحاد الأوربــي مثلا والتي يصعب قيامها بدون عنصر المســاندة من الدولة، وفي حالة العراق يعد الدستور الحالي وثيقة حية شأنه شأن كل الدساتير المستمرة ، الا من المؤكد انها تضعف إلى حد ما إمكانية تعديل الدستور عبر عملية مراجعة الدستور الخاصة لمرة واحدة فقط فهي لا تعتمد مبدأ الأغلبية البرلمانية الخاصة (الثلثين) التي تنص عليها المادة (١٢٦ ) بالنسبة للتعديلات المنتظمة وتتحاشى تجاوز المادة للنصوص الخاصة بالمبادئ الأساسية وحقوق الإنســان، وبدلا من ذلك تطرح المادة فكرة الأغلبية المطلقة في البرلمان بالنســبة لجميع النصوص الدســتورية كما أنها تخفض الحد من خلال وقف الشرط الوارد في المادة (١٢٦) بالنسبة لاستفتاء إقليمي في الأحوال التي يمكن أن يخفض فيها التعديل صلاحيات الأقاليم ، ومع ذلك ورغم كل تســاهلها الظاهري تحل المادة( ١٤٢ ) محل الشــرط في الدســتور يجعل التعديل غير يسير وهو الشرط الوارد في الفقرة الرابعة منها والــذي يخضــع أي تعديــل لإمــكان اعتراض ثلاث محافظات هذا النص الخاص بالاعتــراض يضمن قدرة الأحزاب على البرهــنة على قدرتها على حشــد تأييد أغلبية جماهير الناخبين في ثــلاث محافظات لأي تعديل مقترح يتعارض مع برامج هذه الأحزاب ،لكن الأمور تزداد صعوبة بسبب أن أية تعديلات تقترحها لجنة مراجعة الدستور في نهاية الأمر ستحتاج إلى موافقة الأغلبية في مجلس النواب، مع الحاجة إلى موافقة الشــعب العراقي من خلال اســتفتاء شــعبي عام والسماح للعراقيين الاختيار عبر صناديق الاقتراع بـوضع نعم أو لا، مع الاشارة الى ان من ضمن تلك الحزمة من التعديلات هناك ما يجعل عملية إقرار التعديلات الدستورية امرا في غاية التعقيد إذا ما رفض الناخبين في الاستفتاء تعديلا واحدا من حزمة التعديلات، وهو ما يعني رفض الحزمة برمتها.
والواقع أن الحد البرلماني المخفض الذي تقدمه المادة( ١٤٢) إلى اطراف العملية السياسية قد لا يكون تنــازلا علــى الإطلاق في برلمان تخضع قراراته بشــأن الإصلاح الدســتوري دائما لاعتراض ثلاث محافظات، ومــن الممكن، وإن كان من
غير المرجح، أن يبرهن البرلمان العراقي الجديد على أنه يحتوي على أغلبية مطلقة من الإصلاحيين الدســتوريين ، فعلى سبيل المثال مثلا بعض الساسة يمكن أن يدلوا بأصوات داعمة لحكم الدولة المركزي، إلا أن الاعتراض يعني أن أية إصلاحات مقترحة ستتطلب في نهاية الأمر موافقة قادة الأحزاب التي تملك عمليا صلاحيات إقليمية، وهو ما يثير التساؤل التالي إذا كتب هؤلاء الدستور بعلم اطراف العملية السياسية فلماذا تظهر الحاجة الى تعديله الآن؟
مع الاشارة الى ان هناك بعض التكهنات أن سياســة دســتورية قومية مركزية ربما تكون قد اكتســبت مكانة في الدعوة الى صياغة محددة لموقف دســتوري موحد يمثل تطلعات جميع الاطراف على حد سواء من قبيل الإنصاف الوطني، إن لم يكن القوة الوطنية، كمبدأ يمكن أن يســتند إليه في بناء دولة قوية عبر التعديل الدستوري والذي لا نرجو ان يكون تعديلا هشا من خلال اعتماد مجموعة متكاملة من التعديلات الفنية البســيطة نســبيا وغير المثيرة للجدل من أجل تحســين عمل الدولة بوجه عام والحكومة بوجه خاص عبر التوافق السياسي والذي يعد أيسر الطرق للوصول الى صياغة موحدة ومقبولة من جميع الاطراف في العملية السياسية.