ملخّص بحث الشيخ فضيل الجزائري الموسوم بـ (الخطاب الديني بين منهج الإقصاء والاحتواء.. الخطاب الجهادي أنموذجاً)…

مَنْ هذا الربّ الذي تدّعي الوصل به وتمثّله؟ أجاب موسى(عليه السلام) بعبارةٍ جميلة جدّاً وهي أساس هذا الكون وأساس هذا الوجود: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ)، في عمليّة الخلق هناك لا توجد إرادة لا للإنسان ولا للملائكة ولا لغيرهم، شأن الإله محور، هو الخالق، لم يكن هناك إنسان حتى تكون له إرادة في هذا الخلق، فعمليّة الخلق هي شأن الإله المحض، والآية تقول (ثمّ هدى)، العودة للكمال في قوس الهداية وقوس الشريعة وقوس القانون، هناك يتجلّى القانون الإلهي، وهنا المجال لا يتّسع لمجال الخصوصيّات، به يدير الله تعالى هذا الكون خلقاً وتكميلاً، والقانون الإلهيّ نابعٌ من حكمته البالغة، فالله تعالى لا يخضع للقانون فهو مصدرُ القانون، وأئمّتنا(عليهم السلام) هم من متن القانون، صراطٌ مستقيم، حقّقوا (عليهم السلام) جميع مقتضيات القانون، أمّا أنا وأنت نخضع للقانون، قد نتمرّد وقد نلتزم، فالقانون دائماً يكون في قوس الهداية، قوس التكامل وقوس العودة الى الله تعالى، القانون متى يتعيّن؟ إذا كان هناك وعي وإدراك واختيار، إن معنى أن يتعيّن القانون، إلّا إذا كان مدركاً واعياً لهذا القانون، فمهمّ هذا القانون وله اختيار، قد يتمرّد وقد يلتزم، وهنا تكمن كرامته بالوعي وبتفعيل اختياره، هو تعالى يريد من الإنسان أن يكون مضطرّاً في الكمال والتكامل، يتحرّك بوعي واختيار هنا تكمن كرامته، هذا القانون فقط يتعيّن كما قلت إذا كان هناك وعي وإدراك وهذه المسائل بُنيت في علم الأصول تحت قاعدة قبح البيان، ثمّ يأتي الإلزام والتكليف واختيارك وتحريك إرادتك نحو الخير، هذا القانون الإلهي في أمور تكوينيّة، يرافق دليل الواعي، الشمس وهي تتحرّك في مسارها ليس لها وعي وليس لها اختيار في أن يصدق عليها القانون، فهي هداية قهريّة، هداية تكوينيّة، وإذا أطلق على القوانين الفيزيائيّة أو الفلكية القانون اكتسحها، القانون عادةً يفعل في دائرة الوعي والاختيار، هذا القانون الإلهي إذا استقرّ في الحقيقة الإنسانيّة يتعيّن بطريقتين، الأوّل هو القانون الطبيعي والثاني هو القانون التشريعيّ، القانون الطبيعي هو نورٌ يضعه الله تعالى في قلب الإنسان، يدرك به الخير ويدرك به الشرّ، يدرك به الحسن ويدرك به القبح، وفي هذه الجهة لا يحتاج الى الأنبياء، وإن احتاج الى الأنبياء فمن باب إثارة دفائن العقول، الأنبياء والأولياء يثيرون هذه الإضاءة في قلب الإنسان فيعي في تكليفه على مستوى القانون، وهذا القانون الطبيعي معمّق جداً في الغرب، وقد درس دينيّاً وقد درس حدثيّاً، والدراسة الحديثة أنا شخصيّاً لا أقبلها، وغير صحيحة في الكثير من تجلّياتها، لأنّ القانون الطبيعي الحدثي يبني عصاة الإنسان، والدراسات الدينيّة في الغرب قاربت القانون الطبيعي بمحورية الله تعالى وكانت بحوثها تُطابق مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) تقريبا بحدود 95%، فالغرب يسعى يوميّاً الى التقرّب من القانون الطبيعي الذي يمثّل حكمة إلهيّة والقانون الإلهي، فكلّما اقترب القانون الإلهي في الغرب الى القانون الطبيعي تناغم مع القانون التشريعي، فالقانون الوضعي أساسه القانون الطبيعي، المُشكل في مقاربة القانون الطبيعي، إذا قاربناه بأصالة الإنسان هنا مصيبة، وإذا قاربناه بأصالة الله تعالى، ومحورية الله تعالى، فالقانون الطبيعي يقارب القانون الوضعي والقانون التشريعي، فالتجلّيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية كلّها تبنى على القانون الطبيعي، ولو القانون الطبيعي لا يُمكن أن يتأسّس، سياسة اقتصاد اجتماع.
نأتي الآن الى الفتوى المباركة، هل هذه الفتوى التي حرّكت شبابنا وأنا جلست مع شريحة منهم وتعلّمت الكثير منهم، وأنا أمشي بين النجف وكربلاء في زيارة الأربعين، أرى هذه الوجوه الكريمة لصور الشهداء وتزيدني فخراً وعزّةً، هل هذه الفتوى أوجدت شيئاً جديداً في قلوب شبابنا؟ هل الشابّ العراقيّ ينتظر الفتوى حتّى يقوم بالدفاع عن مقدّساته عن شرفه وعن دينه؟ أبداً نورٌ أودعه الله في قلبه يدركه ويشاهده ويتحرّك وقد يستشهد وقد يعيش كريماً عزيزاً في وطنه، وإنّ الفتوى جاءت ووضعته في الصراط المستقيم وحدّدت القدسيّة من تحرّكه، فالفتوى تقول له القانون في قلبك مودع في الحكمة الإلهيّة، وغاية الأمر أنا أبيّن لك الصراع وأبيّن لك الغاية، إمّا الشهادة أو أن نعيش في عزّة وكرامة في العراق العظيم والجميل، إذن الفتوى لم تحدث شيئاً في قلب الشاب، فالحكمة الإلهيّة والقانون الإلهي مودع في قلبه، أنا لو كنت في العراق أحمل السلاح وأدافع عن شرفي عن مقدّساتي وعن ديني، لكن الفتوى تكمن عظمتها في بيان الصراط المستقيم، وأنت تحمل السلاح في المعركة قد تخطئ لكن الفتوى ترشدك، وتحدّد لك الغاية بأن تنال الشهادة هذه الكرامة العظيمة، وقد يكون القانون الطبيعي في قلب الإنسان فاتراً لتلوّثه بثقافات منحرفة، تأتي الفتوى وتحييه من جديد في قلب هذا الشاب وفي قلب أمّ ووالد هذا الشاب، فيدفعان بابنهما الى المعركة، قد يتشرّف بالشهادة وقد يعيش عزيزاً كريماً في عراق المجد والخلود، إذن الفتوى الشرعيّة تنتمي الى القانون الإلهي، تجلّي من تجلّيات القانون الإلهي، وكذلك هي كفتوى حدّدت القدسيّة، والفتوى هي التي أحدثت هذا الوعي في قلبه.