سُرَّ من رأى.. من عاصمة للدولة العباسية إلى عاصمة العراق للحضارة الإسلامية
تتهيأ سامراء لإعلانها عاصمة للحضارة الإسلامية في العراق، حيث أصدرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، في الخامس من الشهر الجاري، الأمر الديواني الخاص بتأليف اللجنة التحضيرية لهذا الإعلان.
وتحظى هذه المدينة، الواقعة شمال العاصمة بغداد، بمكانة تاريخية كبيرة لما تحتويه من معالم وأماكن أثرية مهمة تعود إلى حقبة الخلافة العباسية حيث كانت عاصمة للدولة فترة من الزمن، كما أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” (UNESCO) عام 2007 ضمن قائمة التراث العالمي.
وتقع سامراء شرق نهر دجلة في محافظة صلاح الدين، وتبعد عن بغداد بنحو 125 كيلومترا إلى الشمال، ويبلغ عدد سكان مركز المدينة أكثر من 190 ألف نسمة، حسب إحصائيات وزارة التخطيط لعام 2013.
عاصمة العباسيين
كانت سامراء عاصمة الدولة العباسية بعد بغداد، وكان اسمها القديم “سر من رأى” وقد بناها الخليفة المعتصم بالله عام 221هـ/835م لتكون عاصمة دولته، بحسب أستاذ التاريخ السياسي الحديث والمعاصر في جامعة سامراء الدكتور عادل محمد العليّان.
ويضيف للجزيرة نت: لما جاء المعتصم يبحث عن موضع لبناء عاصمته، وجد هذا الموضع لنصارى عراقيين، فأقام فيه 3 أيام ليتأكد من ملاءمته، فاستحسنه واستطاب هواءه فاشترى أرض الدير بمبلغ 500 درهم.
ويتابع العليّان: خطط المعتصم هذه المدينة التي سميت “سر من رأى” وبعد بنائها انتقل مع عسكره إليها، ولم يمض إلا زمن قليل حتى قصدها الناس وشيدوا فيها مختلف المباني الشاهقة.
ويسترسل أستاذ التاريخ في الحديث: في عهد المتوكل العباسي عام 245هـ/859م بنيت مدينة المتوكلية، كما شيد الخليفة الجامع الكبير ومنارة مئذنته الشهيرة والمعروفة بـ “الملوية” والتي تعد أحد معالم مدينة سامراء الأثرية والحضارية.
ويلفت العليّان إلى أن سامراء بقيت عاصمة للخلافة العباسية مدة طويلة تقارب 58 عاما، ممتدة إلى عام 279هـ/892م.
أصل التسمية
تعددت آراء المؤرخين واللغويين بشأن أصل ومعنى سامراء، فمنهم من رأى في اسمها تصاريف بين مقصور أو ممدود، و”سر من رأى” مقصور الآخر أو مهموز، كما يفيد الباحث في التاريخ الحديث وليد خالد الشليق.
ويضيف الشليق للجزيرة نت: كما ورد اسم المدينة في نصوص العصر الآشوري والبابلي الحديث والمتأخر بصيغة “سُرمراتي ” (surmarrta) وهي قريبة من الصيغة التي عرفها العرب بالعصور الوسطى الإسلامية وشاعت عندهم، مما يدل على أنهم تصرفوا بالصيغة وأخضعوها لأوزانهم ظنا منهم أنها تعني “سر من رأى”.
وسميت “العسكر” كونها كانت معسكرا لجيش الخليفة العباسي المعتصم، وقيل إن اسمها “سامرا” بالانتساب إلى سام بن نوح الذي بناها، بحسب الشليق.
ثروة تاريخية
تمتاز سامراء بوجود عدد كبير من المواقع الأثرية والمعالم الحضارية، وهي دليل مادي قائم وشاهد على أصالة هذه المدينة وقدمها، مما جعل منها قبلة يروم الزائرون للتوجه إليها والتعرف على معالمها الأثرية عن كثب، وباتت تشكل عنصر جذب للسائحين من داخل البلد وخارجه، بحسب الشليق.
وحول أبرز الآثار الموجودة، يذكر الشليق: جامع ومئذنة الملوية، قصر العاشق، جامع أبي دلف، سور أشناس، موقع النهروان، القصر الجعفري، مدينة المتوكلية، موقع الزنكور، تل طوكان، تل الوزير، قصر الخليفة، ساحات سباق الخيل، مدق الطبل، سور عيسى، تل العليق “العليج”، قصر بلكلورا، آثار الجبيرية، تل الصوان، قصر المعشوق، قبة الصليبية، أم الصخر، وغيرها.
من جانبه يرى الصحفي والإعلامي طه رياض السامرائي أن جامع المتوكل، أو ما يسمى بجامع المئذنة الملوية، يعد من أبرز الآثار والمعالم الموجودة في سامراء، وهو أكبر الجوامع الأثرية بالشرق الأوسط من حيث المساحة.
ويعدد السامرائي للجزيرة نت آثارا قديمة قبل الحضارة الإسلامية لكونها تقع على طريق الحرير، حيث يقال إن المدينة كانت عبارة عن خط ما بين شبه الجزيرة العربية والشرق (اليابان والصين وغيرهما).
وحول جامع المتوكل أو جامع الملوية، يبيّن الباحث محمد صالح السامرائي أنه بُني في عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله بن المعتصم بالله، على أرض مستطيلة مساحتها 27 ألفا و920 مترا، ويسع لأكثر من 80 ألف مصل.
ويضيف للجزيرة نت: للجامع 15 بابا للدخول إليه، وترتفع الأبواب نحو 6 أمتار، وتتوّجها نوافذ ذات عقود مدببة، لافتا إلى أنه يعد من أبرز معالم عهد الدولة العباسية في مدينة سامراء.
ويعود العليان فيقول إن مدينة سامراء تعد شاهدا معماريا يعكس الإبداع الفني المتطور بالمنطقة، الذي انتشر إلى أقاليم عدة من العالم الإسلامي وما بعده. فالمسجد الرائع العائد للقرن التاسع ومئذنته الحلزونية تعد أحد الصروح العمرانية الفريدة، وكذلك تخطيط شوارعها وحدائقها وتصميمها المعماري وصناعاتها السيراميكية، تلك الصروح التي لا يزال 80% منها بحاجة للتنقيب.
أهمية دينية وحضارية
تعد سامراء واحدة من المدن العراقية المهمة الموغلة في القدم، وسبق وجودها ظهور الإسلام بقرون عدة، ولها أهمية تاريخية ودينية، كما يقول الشليق.
ويشير إلى أن أهميتها التاريخية كشفتها التنقيبات الأثرية بالعثور على مستوطنات تعود إلى الألفين السادس والخامس قبل الميلاد، وعُثرَ على أقدم قرية فيها وهي: تل الصوان.
ويضيف أن أهميتها الدينية تعود إلى وجود ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، فضلا عن وجود العديد من المواقع الأثرية الدينية والتاريخية المهمة.
وحول أهميتها في الوقت الحاضر، يبيّن الشليق أن سامراء اليوم من المدن المهمة، فهي حلقة الوصل بين شمالي وجنوبي العراق، وهي مقصد للسياح من داخل البلاد وخارجها.
عاصمة الحضارة الإسلامية
قانون “سامراء عاصمة العراق للحضارة الإسلامية” جاء بجهود مميزة في الدورة الماضية لمجلس النواب، كما يقول عمار يوسف النائب عن محافظة صلاح الدين.
ويعرب يوسف للجزيرة نت عن أسفه لعدم وجود اهتمام أو ميزانية من الحكومة لهذا الموضوع، حيث إنها لا تزال تعمل بسياسة الطوارئ من دون الذهاب إلى مسألة البناء ووضع الخطط الإستراتيجية للنهوض بواقع المدينة والبلد.
وفيما يتعلق بقانون سامراء، يوضح يوسف أن القانون اهتم بالمدينة من أجل بنائها وإعمارها لتكون محطة للزائرين، مشيرا إلى أن هذا القانون تمت إعادة تفعيله عام 2019، ووضعت ميزانية لا بأس بها ومشاريع مهمة وكبيرة من شأنها أن تنهض بالمدينة وواقعها الخدمي بشكل ملحوظ.
ويكشف عن قيام وزارة التخطيط في ذلك الوقت بتخصيص ما يقارب 162 مليار دينار عراقي (نحو 137 مليون دولار) لهذه المدينة.
ويستدرك بالقول: لكن القانون تعرض لضربة قاضية بعد تعديله وحذف كل التخصيصات السابقة والقديمة بما فيها الموجودة منذ عام 2019، كما أصبح محافظ صلاح الدين هو رئيس اللجنة، وممثل العتبة العسكرية نائبا له، وجرى استبعاد قائمقام سامراء ورئيس جامعتها من رئاسة اللجنة.
ويبيّن يوسف وجود عقبات كثيرة واجهت هذا القانون، منها تخصيص الأراضي لهذه المشاريع، وأيضا عدم صرف التخصيصات المالية.
ويرى الباحث محمد صالح أن اعتبار سامراء عاصمة العراق للحضارة الإسلامية سيحقق تغييرات عدة في المدينة، منها الاهتمام بالأوقاف الدينية وبالآثار، ورعاية الزائرين والسياح الوافدين إليها، وإبراز دور العتبة العسكرية لما تحمله من عمق ديني وتأريخي وكونها مصدر إشعاع ثقافي وعلمي وحضاري ناتج عن دور الإمامين العسكريين، إلى جانب روح التعايش بين مختلف المكونات.
وبالعودة إلى السامرائي، فهو يعتقد أن عاصمة الثقافة، أو الحضارة الإسلامية، مجرد مسميات بعيدة عن الواقع، حيث إن هذه المدينة المليئة بالتراث لا يوجد فيها متحف، وآثارها مدمرة وأغلبيتها مهددة بالاندثار.
والدليل على ذلك، يوضح السامرائي، أنه توجد بركة لقصر أثري حولت الآن إلى مقر عسكري، وهي من أقدم وأندر البرك التي لا تزال موجودة في العراق منذ العصر العباسي وحتى الآن.
المصدر ( الجزيرة نت )