منذ الانتخابات الأمريكية باتت الفرصة مؤاتيه لفحص قواعد القانون الدولي المتعلقة بالتدخل الأجنبي في هذا التعبير الأساسي عن الديمقراطية للأسف يبدو أن القليل قد تغير منذ أن خلصت أجهزة الاستخبارات الأمريكية بدرجة عالية من الثقة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر بشن حملة نفوذ في عام 2016 تستهدف الانتخابات الرئاسية الأمريكية ففي شهر أب على سبيل المثال حذر مدير المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن قبل الانتخابات الأمريكية لعام 2020 ستستمر الدول الأجنبية في استخدام تدابير التأثير السرية والعلنية في محاولاتها للتأثير على تفضيلات ووجهات نظر الناخبين الأمريكيين وتحويل السياسات الأمريكية وزيادة الخلاف في الولايات المتحدة ، وتقويض ثقة الشعب الأمريكي في الديمقراطية وقد يسعون أيضًا إلى المساس بالبنية التحتية الانتخابية لتحقيق عدد الاهداف المحتملة ، مثل التدخل في عملية التصويت أو سرقة البيانات الحساسة أو التشكيك في صحة نتائج الانتخابات وهذه المرة لم تشر أصابع الاتهام إلى روسيا فحسب ، بل إلى الصين وإيران أيضًا لتأكد ( (Microsoftأن الجهات الفاعلة في جميع الولايات استهدفت الانتخابات ،في حين أن التدخل في الانتخابات الأمريكية استحوذ على معظم الاهتمام ، إلا أن هذه الظاهرة عالمية. على سبيل المثال، في عام 2014 CyberBerkut)) وهي مجموعة من hacktivists) ) الروسية، استهدف لجنة الانتخابات المركزية الأوكرانية، واخترقت شبكتها لمدة عشرين ساعة مما ادى تقريبا إلى الإعلان عن الفائز بصورة غير صحيحة لما آلت اليه الانتخابات، في عام 2017 (GRU) المخابرات العسكرية الروسية التي أجريت عمليات تستهدف حملة إيمانويل ماكرون للرئاسة الفرنسية، في حين تعرضت لجنة الانتخابات المركزية الروسية هي الاخرى لهجوم مماثل والذي يزعم بانه تم من مواقع في خمسة عشر بلدا، لتثير انشطة كتلك بما يتعلق بنشاط الفضاء الالكتروني مدى شرعيتها في نطاق القانون الدولي فالتساؤل الذي يثار فيما اذا كان التدخل في الانتخابات الاجنبية بوسائل الكترونية يمثل انتهاكا لأحكام القانون الدولي ، وما هي واجبات الدول لوضع حد لتدخل كهذا ، وما هي الخيارات المتاحة بموجب احكام القانون الدولي لواجهة تدخل كهذا .
من المعروف ان الفعل غير المشروع دوليا يتكون من عنصرين الاول ان ينسب الفعل او الاغفال الى دولة والثاني ان يمثل ذلك الفعل انتهاكا لالتزام بموجب احكام القانون الدولي ،فإسناد فعل بما يمثله كسلوك دولة يكون على اساس وجود عملية الكترونية تتدخل في انتخابات دولة ما على نحو التحكم في نتائج منطقة معينة منها او على كامل الدولة عبر التحكم بواسطة انشطة سيبرانية بواقع الحال ، او قد تهمد جهات اخرى من غير الدول بتنفيذ عمليات الكترونية فالاحتمال الاكبر انها تصرفت بناء على تعليمات او توجيه دولة اخرة معنية بالأمر وان كان الامر محاط بهالة من الغموض الا انه غير مستحيل التحقق كان تكون هناك حالة تعاقدية كعلاقة بين الدولة وشركة خاصة كان تكون وكالة تسويق او شركة استشارية لوسائل التواصل الاجتماعي او ان ينفذ العملية القراصنة الوطنيون دون اي تدخل من الدولة الا انه في كل الاحوال فان موضوع تقييم تلك العلاقة ترقى لمستوى بيان العلاقة من حيث توجيه التعليمات او السيطرة وان لم يكم بشكل مباشر وهو ما يضعنا امام ضعف وعدم وضوح قاعدة الاسناد لنقص الادلة على ذلك وبذلك لا يثبت انتهاك قواعد القانون الدولي باعتباره فعلا غير مشروع ، الا انه بالعودة لأحكام القانون الدولي والذي يحظر التدخل في الشؤون الداخلية او الخارجية للدول والذي يتمثل في العديد من المواثيق الدولية منها اعلان العلاقات الودية لعام 1970 وتقرير فريق الخبراء الحكوميين للأمم المتحدة لعام 2015والذي اقرته الجمعية العامة لاحقا وكذلك ميثاق منظمة الدول الامريكية ، فالتدخل المحظور وفق ما جاء في قضية نيكاراغوا في الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية والذي ينص على : ( ان التدخل المحظور هو التدخل بوسائل قسرية ) اي انه يحرم الدولة من القدرة على التحكم في المسائل ذات الطبيعة السيادية او اتخاذ القرار الخاص بشأنها او ادارتها بما يخل بمبدأ سيادة الدولة في ات تقرر ما ترتأيه وفق ما يتوافق وانظمتها القانونية وما يتاح للدولة ان تتمتع بسلطة تقديرية لاتخاذ خياراتها الخاصة ، ولم يقتصر الامر على ذلك بل نجد ان الامر يؤثر بشكل مباشر على حرية التعبير والحق في الخصوصية ولا سيما في حالة اتاحة الدولة الحق التعبير السياسي عبر وسائل الاتصال الالكتروني ليكون وسيلة مقيدة لقدرة الدولة على اجراء الانتخابات والقدرة على بسط سيادتها على تلك الانشطة ولا سيما عند تداخل تلك الانشطة للتأثير على الانتخابات وبناها التحتية كما هو الحال في التسبب في خطأ في حساب الاصوات عبر التلاعب المباشر في فرز الاصوات او تعطيل آليتها ومنع التصويت الالكتروني، او قد يكون ذلك التدخل عبر الانخراط في انشطة موجهة للناخبين عبر اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي للإبلاغ الكاذب عن وقوع حدث خطير كما هو الحال بالإعلان عن وقوع اطلاق النار على مراكز انتخابية وانه على الافراد البقاء بعيدا عن موقع الحادث ، او قد يكون ذلك عبر نشر احداثيات خاطئة حول المواقع الانتخابية كما حدث عام 2016 عندما نشرت تغريدات باللغتين الاسبانية والانكليزية والتي تبين بإمكانية الافراد بالتصويت عبر الرسائل النصية وهو ما نتج عنه ضياع عدد كبير من الاصوات لعدم وجود آليه كهذه في التصويت الانتخابي في الولايات المتحدة ، او قد يكون عبر نشر معلومات كاذبة حول النتائج مما يدفع الناخبين للاعتقاد بخسارة مرشحهم فلا فائدة من الذهاب للاقتراع، الا ان العملية الاصعب هي المتعلقة بالأنشطة الالكترونية الهادفة للتأثير على مواقف الناخبين عبر استخدام العمليات الاعلامية كوسيلة لإكراه الدولة عبر استخدام وسائل الاعلام لدعم مرشح لتطغى اعلاناته على اعلانات الخصم مما يسمح للأول بالسيطرة عبر الفضاء الاعلامي ، وهو ما يدفع للتفكر في مدى امكانية ان يرتقي مستوى هذا النشاط الى مستوى هجوم مسلح بما يتعلق باستخدام الحد الادنى للقوة عبر الانترنت ومدى خطورة سلوك كهذا في التأثير على الانتخابات ولا سيما في ظل واقع هيمنه دولة معينة على الانتخابات بما يؤدي لانحراف عملية التصويت بما يدعو وصفها بعمليات التضليل القسرية ولا سيما ان الذكاء الاصطناعي يمكن استعماله لأنشاء ملفات تعريف مستخدم مزيفة بأعداد ضخمة لخلق ضجة سلبية حول مرشح حول مواقع التواصل الاجتماعي ، لذا يمكن ان تلعب العديد من العوامل الاخرى دورا في تحديد الفائزين انتخابيا والتي تكون مصممة مسبقا لتحقيق نتيجة محددة كانتخاب مرشح معين تفضله دولة معينة والتي تعتمد اصلا على استغلال نقاط ضعف معينة في الدولة المستهدفة مثل استغلال الانقسامات العرقية او الدينية والتي ينظر اليها بكونها قسرية اكثر من كونها نشاط سلبي.
د. ايناس عبد الهادي الربيعي الدراسات الاستراتيجية