يعد الإرهاب جزء من حرب دعائية نفسية تهدف الى السيطرة على عقول وقلوب الجماهير، صحيح ان الفعل الارهابي يضرب الاجساد والمباني لكنه في الاصل يستهدف العقول، بالنسبة للإرهاب فان الضحية هي مجرد جلد الطبل الذي يتم ضربه من اجل تحقيق اثر متعمد في جمهور واسع عبر استثارة الإعلام الذي بدوره يعزز من تأثير الفعل الارهابي بخلق مزيد من التعاطف والتأييد، لذا فأن الظاهرة الارهابية تحتاج دوما الى السير في خط موازي للإعلام، كي لا يبقى العمل الارهابي محدودا في مكان وزمان ضيقين.
العملية الإرهابية التي لا ينقلها الإعلام لا جدوى منها وكأنها لم تحدث ” فالإرهاب لاشي، نشره عبر وسائل الإعلام هو كل شي” كما يقولwalter liqueur او كما يرى اديب خضور” بدون وسائل الإعلام تصبح العملية الارهابية كأنها شجرة تسقط وسط الغابة دون ان يراها احد”، لا غنى للإرهاب عن الإعلام فهو جزء مكمل للفعل الإرهابي يعرف بقضية الجماعات المتشددة ويحقق لعملياتها الدموية اوسع انتشار، ان انفجار قنبلة يلفت انتباه الإعلام اكثر من مئات الخطب.
استخدم تنظيم داعش على سبيل المثال الإعلام بقوة وفاعلية وقدمت له الوفرة المالية ما يحتاجه لبناء جهاز اعلامي يتمتع بالخبرة الاعلامية والتقنية اللازمة لإدارة حملات اعلامية ناجحة واستخدم الإعلام لترهيب اعدائه وهي استراتيجية اعتمدها لهزيمة الخصوم دون إطلاق رصاصة واحدة عبر نشر فيديوهات اعدام الاعداء ممن سقطوا بيد التنظيم وكان ابرز ما نشره، عملية إعدام الطيار الأردني “معاذ الكساسبة” والناشط الحقوقي البريطاني “دافيد هاينس” والصحفيين الأمريكيين “جايمس فولاي” و”ستيفن سوتلوف”.
يستهدف “داعش” كغيره من الجماعات المتشددة ضرب الاماكن المهمة التي تهتم بها وسائل الإعلام والتي يتواجد فيها عدد كبير من الناس وكذلك يسهل على وسائل الإعلام الوصول اليها وهذا يفسر لماذا يضرب في كل مرة تلك الاماكن التي تشكل قلب العاصمة بغداد واخرها الاعتداء الذي وقع في” ساحة الطيران” بتفجير مزدوج حيث يقدم المكان رمزية بإمكانها نقل رسالة بحروف كبيرة للحكومة العراقية والاجهزة الامنية.
يمكن للفعل الارهابي المتكرر ان يثبت الارهابيون على لائحة الاحداث اليومية ويضعف ثقة المواطن بقدرة الاجهزة الامنية على حفظ الامن ومواجهة الارهاب وزرع الخوف والقلق وبالتالي احداث تلك الفجوة بين القائمين على حفظ الامن والمواطن وصولا الى مرحلة تحييد الجماهير وهي مرحلة خطرة وصعبة للغاية بالنسبة للقوات الامنية اذ لن يتسنى لها مكافحة الارهاب دون تعاون المواطن الذ يوفر بشكل مستمر معلومات محدثة تتعلق بتواجد المتشددين وتحركاتهم.
التجنيد باستخدام وسائل الإعلام الرقمية
يولي تنظيم “داعش” اهتماما كبيرا بالإعلام ويتضح هذا من تخصيص أبو بكر البغدادي نحو ما يقرب من مليون دولار كميزانية مبدئية لتأسيس جهاز إعلامي، وقد ابتدع لحملاته الدعائية مصطلح “الجهاد الإعلامي” منذ الظهور الأول لجهازه الدعائي عبر الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي عام 2012، ولم يكن بوسعه خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة التوسع بضم أقاليم عديدة وتجنيد هذا العدد الكبير من المقاتلين بدون الاستفادة من الإعلام الرقمي، حيث قدرت الأمم المتحدة في إبريل 2015 أن مالا يقل عن (22,000) مقاتل أجنبي من مائة دولة انضموا للجهاد في سوريا والعراق وهذا يؤشر مدى قوة الانترنت في تجنيد مزيد من الانصار بعيدًا عن خطوات التجنيد التقليدية القديمة التي تجري في المساجد.
إدارة الحملات الإعلامية وعمليات القرصنة
يمتلك التنظيم قدرات وخبرات إعلامية تقنية متمكنه استطاع من خلالها ادارة حملات اعلامية متقنة بحرفية عالية فقد نجح في السيطرة على أحد حسابات موقع تويتر التابعة لجماعة “الأنونيموس”، التي تعد من أقوى جماعات القراصنة الالكترونيين بالعالم. ونجحت شركة Al-Furqan Media Production التابعة لتنظيم داعش في نشر (40000) تغريدة عبر تويتر بعد السيطرة على مدينة الموصل العراقية، وحينما قامت الحكومة العراقية في عام 2014 بقطع الانترنت وحجب مواقع التواصل بسبب تأثير “داعش” على الساحة الإلكترونية، وجد التنظيم لذلك مخرجا بتحميل تطبيق آخر مخصص للهواتف الذكية، وقد أعلن عن كونه أول تنظيم جهادي يصمم تطبيقاً مجانياً يسمح بنشر التغريدات الخاصة به، لكن سرعان ما قام موقع جوجل بحذفه، بالإضافة إلى قيام إدارة توتير بإغلاق عديد من الحسابات التي تدعم “داعش” وتروج له، حتى لو لم يتبنها التنظيم رسمياً.
كما تمكنت مجموعة من قراصنة الإنترنت التابعين للتنظيم تحت مسمى “الخلافة السيبرية”، من السيطرة على مواقع التواصل الخاصة بالقيادة المركزية الأمريكية (Centcom) التي تتولى العمليات العسكرية في العراق وسوريا خلال عام 2015 وحصلت على معلومات شخصية لمئات من العسكريين الأمريكيين، وعمل التنظيم على تطوير نسخته من فيسبوك التي سماها (مسلم بوك) أو (خلافة بوك )، وأطلق تطبيقاً للهاتف المحمول يوفر لمستخدميه أحدث أخبار التنظيم، وأنتج ألعاب فيديو، كلعبة باسم (صليل الصوارم) حيث يقوم اللاعب بقتل الجنود الأمريكيين أو نشر المتفجرات.
العودة لخوض معركة الرقمية
وحتى مع خسارت التنظيم آخر معقل له في الباغوز السوري ومقتل زعيمه ابو بكر البغدادي، عاد ليمارس دورا كبيرا في تجنيد مزيد من الاتباع باستخدام الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لاسيما بعد تنصيب (حجي عبدالله) زعيما للتنظيم وفي هذا الصدد كشف تقرير صادر عن وكالة أبحاث وزارة الدفاع السويدية (FOI) كيفية استخدام “داعش” للدعاية عبر الإنترنت لكسب متابعين في الغرب، حيث ذكر أنه “على الرغم من أن داعش تكبد خسائر فادحة في الأراضي فإن المعركة الرقمية مستمرة”.
كما نبه تقرير أصدره مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في يونيو 2020، إلى أن التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم “داعش”، تعتمد بشكل أساسي في ترويج أفكارها المتطرفة واستقطاب عناصر جديدة على “العالم الافتراضي” و”الفضاء الإلكتروني”، ولفت التقرير النظر إلى أن التنظيم استغل جائحة كورونا وانتشار فكرة العزل المنزلي لتسريع عملية الاستقطاب، وذلك من خلال تكثيف أنشطته الدعائية خاصة عبر تطبيق “تيليغرام”. وزاد التنظيم حجم المواد الإعلامية المنشورة المكتوبة والسمعية خلال فترة انتشار فيروس كورونا، مستغلاً حالات المقت الشعبي والمناطقي في كثير من الدول لتوظيفها إعلامياً لإظهار ضعف الحكومة التي لا تمتلك استراتيجية واضحة لمواجهة الفيروس من جهة، وربطها بالصراع الديني بين الإيمان والكفر، والعدو والصديق، التي لا يمكن أن تنتهي إلا بالانضمام إلى صفوف التنظيم.
وطور التنظيم مضامين جديدة لرسائله الإعلامية، بحيث ضمت أناشيد وأغنيات ومواد إعلامية قادرة على جذب عناصر جددا، وفي هذا الصدد ذكرت إليزابيث كيندال الخبيرة في مجال التطرف بجامعة أكسفورد، “أن داعش بدأ يستخدم أغنيات وأناشيد من أجل نشر الأيديولوجية”
خلال عام 2020 المنصرم عطل فريق الامن الرقمي التابع لجهاز مكافحة الارهاب (26280) حسبا تابع للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع التراسل الفوري وهو رقم كبير يشير الى تحول التنظيم للاعتماد على الانترنت في الترويج والتواصل وكسب الانصار خاصة بوجود الاغلاق العالمي الذي شهده العالم خلال العام الماضي.
وحتى مع خسارته لأراضي “الخلافة” ومقتل زعيمه ابو بكر البغدادي لم يترك تنظيم داعش نشاطه الدعائي والاعلامي لاسيما بعد صعود الزعيم الجديد لخلافة التنظيم. اذ تحول التنظيم لاستخدام الإعلام الرقمي للترويج لنفسه وتجنيد مزيد من الانصار والتواصل مع ما تبقى من عناصر دولته، واستطاع ان يعيد نشاطه بشكل “خلايا خاملة” تخلت عن فكرة الخلافة وتظهر بشكل درامي ومؤقت لتنفيذ عمليات نوعية ذات تاثير اعلامي ونفسي كبيرين لاسيما في مناطق الفلول ذات الجغرافيا المعقدة. وهذا يعني ان داعش ستكثف نشاطها الاعلامي لاثبات سطوتها حتى دون وجود “التمكين” وانها لازالت تتحكم بالزمان والمكان لبدأ معركة جيدة في كل مرة وهو امر يتطلب من الجهات المختصة تكيف جهودها وتطوير قابلياتها لمواجهة الدعاية الرقمي الجديدة للتنظيم.
حيدر الجنابي : صحفي وباحث مركز الدراسات الاستراتيجية