واجهت العملية السياسية في العراق تحديات عدة احدها واهمها تحدي التوافقات السياسية والتي تترك أثرها بشكل او بأخر على مستوى الاداء السياسي التي أسهمت بشكل مباشر في تعطيل العديد من الفرص والتي كان من المؤمل لها ان تسهم في تحسين الاداء السياسي بما يعمل على الانعكاس بصورة إيجابية على واقع الخدمات المقدمة للمواطن وآليات مكافحة الفساد ومعاقبة مرتكبيه ، لذا فان التحدي الاهم يتمثل في مغادرة التوافقات والمشاركة الجماعية في العملية السياسية وفق مبدأ الاستحقاق الانتخابي والكفاءة اولا ، فعملية التغيير التي مر بها العراق كدولة ناهضة من آتون حروب ونزاعات ترك بصمتها على الاحداث التي ترافقت مع التغيير الذي شهده العراق كبلد تبنى خيارا باعتماد نظام سياسي جديد قائم على آليات ديمقراطية كوسيلة لتولي السلطة ليكون التداول السلمي للسلطة احدى اهم ميزاته وهو ما عمد دستور جمهورية العراق لتبنيه في أكثر من موضع من خلال تبني آليات ديمقراطية توفر فرصا متعادلة ومتكافئة للقوى السياسية في سباق الوصول للسلطة وتقع في مقدمتها الانتخابات ، الا ان العرف السياسي السائد في العراق ومنذ عام 2003 كان التوافق السياسي هو السمة الابرز فيه الامر الذي دفع لاختفاء ما يمكن ان نسميه المعارضة السياسية فالكل تشترك في الحكومة وفق ما حققته من نسب تمثل استحقاقها الانتخابي الامر الذي تولد عنه حكومات غير منسجمة بولاءات مشتتة وضعف في الاداء وهو ما بات يمثل عائقا امام تحسين الاداء السياسي بالشكل الذي مثل تحديا امام وضع العلاج المرجو لتلك التحديات والتي من أبرزها تحدي التوافقات السياسية والتي كان لها الدور الابرز في تعطيل فرص تحسين الاداء بما يعزز استقرار العملية السياسية كسب ثقة المواطن بمن يقودها ، الا ان شعور عدم الرضا السائد بين افراد الشعب كان المحرك الرئيسي لتراجع نسبة المشاركة في تلك العملية الديمقراطية فدورة عام 2018 سجلت نسبة مشاركة بلغت (44.5%) في حين كانت النسبة للدورة الانتخابية لعام 2014 (60%) في حين كانت النسبة لعام 2005 تقدر ب(70%) وهو ما يظهر التباين الواسع خلال تلك الفترات عبر مؤشر لتراجع نسبة المشاركة بما يؤكد انخفاض ثقة المواطن بالعملية الانتخابية ونتائجها وبانها لن تكون ذات تأثير مباشر على الواقع الذي يعايشه المواطن وهو ما يدفع للبحث عما يمكن ان يعزز تلك الثقة التي فقدت بين طرفي المعادلة الامر الذي يدفع للعمل على تعزيز ثقة المواطن والناخب بالعملية السياسية الا ان ذلك ليس بالأمر اليسير فالتحديات التي تواجه العملية السياسية وفي مقدمتها التوافقية تمثل عنصرا مهما في تشكيل ائتلاف يضم المكونات الرئيسية كمعيار للتمثيل السياسي مع ضمان حقوق الاقليات مع درجة عالية من الاستقلال في أدارة الشؤون الداخلية لنكون بذلك امام احد اشكال الديمقراطية التوافقية كأحد أشكال الرضائية المتحققة من خلال مشاركة أغلب القوى السياسية .
الا ان ذلك التحدي ليس الاوحد بل واجهت العملية السياسية تحديات عدة منها الارهاب والفساد ومعارضة بعض القوى الاقليمية والدولية للعملية السياسية ، الا ان ذلك لا ينفي ان امر اللجوء للديمقراطية التوافقية هو اضطرار وليس خيار في ظل واقع لا تهيئ الظروف فرص اللجوء لخيار آخر بسبب ما رافق عملية التغيير من انقسامات كان لها الاثر الاكبر لوجود حالة عدم الاستقرار السياسي وامكانية الحفاظ عليه ولا سيما انها روج لها على اساس أضفاء صفة المشروعية على القرارات السياسية المتخذة سعيا لتحقيق الاستقرار السياسي والذي يمثل احد أشكال نجاح العملية السياسية كميزة يظهر القدرة على معالجة المشاكل والنزاعات بوسائل سلمية مع امكانية ردع منتهك قواعد النظام العام مع قدرة المؤسسات الحكومية على الاستمرار والعمل بآلية طبيعية في أقسى الظروف وهو ما يتعاظم فرصه بالنجاح كلما تعززت شرعية النظام السياسي ومن يتبوأ السلطة ولا سيما ان كان السعي هو انتشال المواطن من ازمات شديدة الوطأة مليئة بالمفاجئات فصورة المشهد الراهن لا تظهر تجربة ديمقراطية ناجحة بل باتت تظهر هي المشكلة وليست الحل فالغياب عن المشاركة في الانتخابات مع ثغرات النظام الانتخابي كل ذلك افرز تداعيات كان لها الاثر الاكبر والملموس على واقع الشارع العراقي الذي بات رافضا منتفضا وهو ما يظهر حقيقة الخلل الذي شاب تلك الديمقراطية المطبقة فالخلل في التوازن المطلوب لعلاج قضايا جوهرية بات واضحا يسير التشخيص فانسحاب الخلافات السياسية على الوضع السياسي والتي ظهرت من خلال الخروقات الامنية كمؤشرات مترابطة تعبر عن واقع راهن ضاغط بات يستوجب التحرك لإيجاد الحلول وباليات متسارعة لإنقاذ الوضع واستعادة ثقة المواطن بالعملية السياسية اجمع عبر وضع الحلول والا تفاقم الوضع بما ينبئ بعدم امكانية معالجتها بما يسهم بتداعي العملية السياسية برمتها لتكون تلك اهم التحديات لمواجهة الازمة وتجاوزها.
د. ايناس عبد الهادي الربيعي مركزالدراسات الاستراتيجية