▪️منطلقاته بحسب الفطرة والدين
🔹إنّ خصلة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر خصلة نابعة من فطرة الانسان ، ومتجذرة فيه كما هو الحال في المعروف والمنكر نفسهما كما سبق ذكر ذلك ، فالمرء يجد شعورا ايجابياً واضحاً تجاه فعل الاخرين للمعروف مما يؤدي الى سعيه في حثهم على ذلك، كما يجد شعورا سلبياً ظاهراً في صدور المنكر منهم مما يؤدي إلى تحذيرهم منه، وذلك أمر نجده من أنفسنا جميعاً
🔹 وينطلق هذا الشعور من عدة مبانٍ فطرية أكد عليها الدين:
١ ــ الحفاظ على وقع المعروف والمنكر في النفس وحمايته من الضعف والفتور، وذلك لأن مشهد إهمال المعروف وممارسة المنكر لو تكرر أمام الإنسان أدى إلى وهن الشعور الفطري بأهمية فعل المعروف وترك المنكر وبما أن النفس تأنف التطبيع مع ما يناقض ذلك ويقاوم وقوعه في الخارج فإنها ترغب في وقوع المعروف دون المنكر حفاظاً على سلامة الفطرة وهو حق له، وهذا المعنى في الضمير الإنساني يشبه أسلوب صيانة جسد الإنسان إياه عن الجراثيم التي تريد أن تخل بنظامه السليم، من خلال مقاومتها ومن خلال الإيعازات المتمثلة في التألم والشعور بالأذى.
٢ ــ وجود حق للإنسان في صيانة الجو الاجتماعي العام عن السلوك غير اللائق، فكل محضر اجتماعي فهو محل استحقاق عام، ويجب على الناس صيانة هذا المحضر عن أي سلوك غير ملائم رعايةً للاستحقاق الاجتماعي، ولا سيما إذا حضر هذا المشهد من يمكن أن يتأثر بما يقع فيه تأثراً سلبياً من الناحية التربوية. ولذلك كان المرتكب للخطيئة في مشهد آخرين أكثر إثماً ممن يرتكبها بانفراد، لانتهاك الأول للحق العام.
وهذا أساس منع ارتكاب ما يخالف الذوق العام والآداب العامة في المشهد الاجتماعي، وهو ينطبق بنحوٍ على كل خطيئة، فكل خطيئة ترتكب في محضر آخرين نحو انتهاك لاستحقاق عام.
٣ ــ حق التارك للمعروف والفاعل للمنكر نفسه في صيانته عن ذلك، لأن ذلك أذى يلحق الشخص وفق المنظور الفطري، فالمنكر انما هو بمثابة الشوكة التي تكاد تصيب الآخر والحفرة التي يكاد أن ينزلق إليها، فحق على الإنسان أن يتأذى بذلك ويصون الآخر من ذلك حتى لو أراد هذا الآخر أن يفعل ذلك متعمداً، فحال الآخر في مثل ذلك حاله إذا أراد عمداً أن ينتحر أو يتصرف تصرفاً خطيراً يتأذى منه، ولذلك تنتفض فطرة الإنسان لإسعاف الآخر في هذه الحالة ولو اقتضى بعض الشدة معه مثل جذبه بقوة مثلاً.
٤ ــ حق من يقع التفريط بحقه بترك المعروف وفعل المنكر في صيانته إذا كان في فعل المنكر وترك المعروف مساساً باستحقاقات فطرية للآخرين مثل حق الناس في سلامتهم من الأذى والعدوان، إعانةً للضعيف وانتصاراً للمظلوم وإغاثةً للملهوف وجبراً للكسير، فإذا وجد الإنسان ظلماً انتفض بفطرته وسعى في صد الظالم وحماية المظلوم.
🔹 وهذه المنطلقات كما هي فطرية فإنها دينية أيضاً، لاهتمام الدين بها، فالدين معني بحفاظ الإنسان على وقع القيم الفاضلة والحقائق الخطيرة في نفسه وبصيانة الاجتماع الانساني عن الخطايا، ومن ثَمَّ جاء في الحديث والفتاوى أنّ أوّل مراتب النهي عن المنكر أن ينكر المرء بقلبه المنكر الذي يطلع عليه أو يتفق أمامه ، كما نهي المؤمنين الحضور في مجالس المعصية، كما قال سبحانه: [وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ]، ولذلك أيضاً ورد في الحديث النهي عن التعرب بعد الهجرة والمراد به الانتقال من البيئات الملائمة للقيم والدين إلى بيئات غير ملائمة تقلل بصيرة الإنسان وتهوّن له المنكرات.
وكذلك يعنى الدين بعناية الإنسان بأخيه الإنسان ودعوته إلى الخير وصيانته عن الإثم والخطيئة، ولذلك اعتبر هذه الفريضة مترتبة على الولاء بين المؤمنين، كما قال سبحانه: [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ].
ويعنى الدين أيضاً بعون الضعيف والانتصار للمستضعف والمظلوم، كما قال سبحانه: [وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا]
🔹وبعد فإن الإنسان المؤمن والمتقي أولى الناس بالاهتمام بهذه الحقوق والإيفاء بها، وكذلك المجتمع المؤمن والمتقي فإنه يتضامن فيما بينه على البر والصلاح، وقال تعالى في وصف المؤمنين: [التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّـهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ].
✍🏻: آية الله السيد محمد باقر السيستاني