تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
شهيد المحراب استراتيجية وطن
بقلم د. قاسم بلشان التميمي
اشترك في قناة «وكالة نسيم كربلاء» على تليجرام
تعد حياة السيد محمد باقر الحكيم (قدّس سرّه) الجهادية خارج العراق من أهم وأصعب المراحل التي مرَّ بها، إذ عانى الغربة والفراق عن الأهل والأحبة، وبعد سقوط النظام البائد عاد إلى العراق وكله أمل في بناء عراق ديمقراطي مزدهر يوسع الجميع دون استثناء اواقصاء أي طائفة او قومية او دين، وتجلى هذا الموقف واضحا في جميع خطابات وتصريحات السيد الحكيم (قدّس سرّه) السياسية حيث اكد دائما على وحدة العراق بجميع طوائفه ، ويعتبر السيد الحكيم الوحيد من العلماء الأبرار الذي نادى وحمل مشروعاً وطنياً لجميع أطياف الشعب العراقي مبني على الأخوّة وعدم التفرقة بين أبناء الشعب ، وتميز رضوان الله عليه بفكر سياسي يختلف عن كثير من الشخصيات العراقية والعربية وحتى العالمية لأنه كان يحمل فكر بمواصفات دينية سياسية قل جمعها في شخصية واحدة من القيادات السياسية الدينية. وكان للسيد محمد باقر الحكيم (قدّس سرّه) حضور دائم في المؤتمرات والاجتماعات التي عقدت في شتى أنحاء العالم، وغايتها توحيد المقاومة ضد النظام البائد ونجح في ذلك نجاحا كبيرا وذلك لان جميع خطاباته مستوحاة من الواقع الذي يعيشه العراقيون وجاءت نتيجة لرؤية ثاقبة ومبصرة في كافة الميدان وتجلى ذلك واضحا بعد عودته في ١٠ / ٥ / ٢٠٠٣ إلى أرض الوطن حيث استطاع أن يؤكد للشعب العراقي وفي جميع خطاباته أنه يحمل مشروع وطني يضم العراقيين جميعاً تحت خيمة دستورية واحدة ودستور إسلامي دون تهميش أية طائفة أو فئة معينة. وقد دفع الشهيد الحكيم حياته لانه اصر على الإسراع بقيام حكم وطني مستقل. وكرر في خطبه بعد عودته إن العراقيين يرغبون في حكومة مستقلة وانهم لن يقبلوا بأي حكومة تفرض عليهم من الخارج. ودعا إلى “تشكيل حكومة ديمقراطية تمثل الشعب العراقي برمته.
التعددية السياسية
يقول السيد محمد باقر الحكيم (رض) ان الامة لابد ان تكون على اطلاع ومعرفة بما يجري حولها الى غير ذلك مما يذكر في الصحافة من اجل شرح وبيان وترويج وتبرير الحرية في العمل الصحفي او العمل الفكري والثقافي والسياسي ولذلك يصبح وجود الاحزاب المعارضة مهما كانت هذه الاحزاب صغيرة ضرورة من ضرورات الكيان السياسي للحكم الديمقراطي والذي يعبر عنه بالتعددية السياسية، فالتعددية السياسية تعتبر ضرورة من ضرورات الحكم، وضرورة من ضرورات الوضع السياسي العام في الفكر الديمقراطي، والدولة في النظام الديمقراطي مسؤولة عن رعاية الاحزاب المعارضة، ورعايتها ليس على مستوى الترخيص بالعمل السياسي لهذه الاحزاب فحسب، بل رعايتها على مستوى الاعتراف بها كحقيقة قائمة ضمن المجتمع، وكمؤسسة من مؤسسات المجتمع تنفق عليها الدولة بمستوى من الانفاق وتشركها في بعض القضايا الاساسية ايضاً وتعتبرها الدولة جزءاً مهماً من وجودها، ويتابع (رض) ومن هنا فأنه في البرلمانات الغربية دائماً يؤخذ بنظر الاعتبار وجود هذا النوع من التركيبة في التمثيل السياسي مثلاً في البرلمان البريطاني “مجلس العموم” عندما توجد حكومة تمثل الاكثرية توجد الى جانبها حكومة ظل تمثل الاقلية ويتم تعيين الرموز الاساسية في هذه الحكومة، مثلاً وزير الخارجية فيها مشخص، ووزير الدفاع فيها مشخص، ووزير المالية فيها مشخص، المفردات الرئيسية في التركيبة الحكومية لابد ان تكون مشخصة، اما المفردات الجزئية والتي لا تكون رئيسية بل ثانوية فلا يجب ان تكون مشخصة، وفي الكونغرس الامريكي الذي يمثل هذا النوع من التمثيل كذلك يوخذ بنظر الاعتبار تركيب اللجان وجود ممثل للاقلية من اجل ان يسمع في هذه اللجان الراي الاخر ويكون لهذا الراي نفوذ في التركيبة العامة وهكذا، (١)
فالفكر الغربي بالاساس قائم على ان قضية الافكار السياسية هي قضية تمثيل لاراء الناس ولاهوائهم ولرغباتهم ولميولهم ولمصالحهم الخاصة ولابد ان تمثل هذه الحالة في التركيبة السياسية ويعبر عنها بالاراء والمواقف لان هؤلاء الناس هم متعددون في رغباتهم وفي ميولهم وفي ارائهم. اذاً فمن الطبيعي ان تكون الحكومة وان يكون الوضع السياسي القائم متعدداً بتعدد هؤلاء الناس. (٢)
يقول السيد الحكيم (رض) لقد تبنى أمير المؤمنين (عليه السلام ) مبدأ الحرية السياسية ومبدأ التعددية السياسية في المجتمع الإسلامي، وهو تَبَنٍّ فريد يمتاز به عن بقية الحكام وظل أهل البيت يتبنون هذا الرأي. وهي ظاهرة سياسية مهمة. فالإمام يعتقد أن الخوارج على خطأ، وأن الزبير وطلحة وأم المؤمنين عائشة على خطأ في موقفهم، لكنه لم يتخذ موقفا قمعياً لإسكاتهم، وإنما ترك لهم الحرية في أن يتحركوا. وكان يكتفي بإدانة مواقفهم وبقوا يتحركون حتّى رفعوا السلاح بوجه الإمام علي ( عليه السلام )عندئذ لجأ إلى ما يحافظ على وحدة المسلمين.(٣)
العلاقات بين فصائل الأمة في العراق علاقات مودّة وأخوّة
يقول السيد الحكيم (رض) ان العراق كما هو واضح له تاريخه الخاص وتركيبه الاجتماعي والثقافي الخاص، وهو بهذه الخصوصية يعتبر من البلاد الفريدة في العالم الإسلامي، أضف إلى ما سبق تاريخ العراق بما له من عراقة وما كانت له من مركزية في العالم الإسلامي حيث كانت بغداد عاصمة المسلمين السياسية، كما كانت الكوفة والبصرة عاصمتي المسلمين الفكرية، ومدرسة الكوفة بشكل خاص وتطورها إلى مدرسة النجف لها أهميتها الفائقة في تاريخ هذا البلد، ووجود مراقد أئمة آل البيت في العراق،كل ذلك وقضايا أخرى تعطي لأرض الرافدين أهمية خاصة ومن هنا كان العراق مستهدفا أكثر من غيره في التآمر الاستعماري والهجوم الاستكباري وعملية التفريق والتمزيق في العراق أريد منها تصوير حالة التمزق في جميع الأمة. والإنكليز كرسوا اهتمامهم في العراق بعد هيمنتهم عليه لإيجاد التفرقة المذهبية والطائفية بين أبناء الشعب العراقي، تماما كما فعلوا في شبه القارة الهندية، حيث أسفرت خططهم بين المذاهب والطوائف، بل حتّى بين أبناء الطائفة الواحدة في شبه القارة الهندية إلى تمزق فظيع ولا تزال هذه الحالة قائمهة حتّى الآن، ويسقط جراؤها بين آونة وأخرى القتلى والضحايا باستمرار. ويتابع نفس الشيء حاولوا تطبيقه في العراق لكن علماء الإسلام في العراق، وخاصة علماء النجف وقفوا ضد هذا المخططوأفشلوه على المستوى الشعبي ويمكن القول الآن أن العلاقات بين فصائل الأمة في العراق علاقات مودّة وأخوّة، حتّى لم يعد الإنسان يشعر بوجود اختلافات طائفية بين أبناء الشعب أهل السنة يتزوجون من أبناء الشيعة والشيعة يتزوجون من بنات أهل السنة ،بل إن بعض العشائر العراقية تجد أبناء عشيرة واحدة نصفها من أهل السنة وتصفها آخر ينتمي إلى مذهب أهل البيت والمدن فيها اختلاط بين أبناء المذاهب، وكثير من المؤسسات الثقافية والمشاريع التجارية يشترك فيها أهل السنة وأهل الشيعة..(٤)
الفكر الاسلامي والسياسة الاسلامية
يقول السيد محمد باقر الحكيم (٥) ان الفكر الاسلامي يختلف عن الفكر الغربي لان الفكر الاسلامي قائم على اساس حكومة الحق والعدل وليس على اساس الرأي والهوى والميول والرغبات لهؤلاء الناس، وانما الفكر الاسلامي ومن ثم السياسة الاسلامية والموقف الاسلامي والحكم الاسلامي وكل ما يرتبط بالقضية الاسلامية يرتبط بقضية “الحق والعدل” فما يكون حقاً وما يكون عدلاً يكون هو الحاكم في نظر الاسلام، وحتى لو كان هذا الحق مما ينكره جميع الناس ولا يرغبون به، كما يوجد في الحديث “لان الحق مر احياناً” فالقياس هو الحق لا يقاس بالاهواء والميول قال تعالى {ولو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات والارض ومن فيهن بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون}(٦) وفي آية كريمة اخرى {وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون}(٧)
ويواصل السيد الحكيم قوله انه في بعض الحالات قد يكون وضع الناس وآراء الناس وميولهم ليست مع الحق، ومن ثم فالفكر الاسلامي يرى ان المتبع و الحاكم بين الناس هو الحق، وهو العدل، والحق والعدل واحد وليس متعدداً هذا الحق وهذا العدل ليس بعيداً عن مصالح الناس، فالحق يتطابق دائماً مع مصالح الناس كما هو في النظرية الاسلامية التي يتبناها اهل البيت (ع) ويعبرون عنها في علم الاصول بقاعدة “ان الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية” يعني ان الحكم الشرعي الذي يعبر عن الحق هو حكم واحد نابع ومنبثق عن المصلحة الواقعية في السلوك الانساني الفردي او العام وليس منفصلاً عنها. (٨)
الامة مالكة لأرادتها
يقول السيد محمد باقر الحكيم (رض) يوجد في ايران نظام اسلامي وهذا النظام الاسلامي يتميز عن جميع الانظمة التي قامت في العالم الثالث على اقل تقدير بانه نظام ارتكز منذ أيامه الاولى على رأي الامة و الشورى والانتخابات، ففي هذا العصر على ما نعرف لم يوجد نظام في العالم الثالث كله بالرغم من التحولات الكثيرة التي تحققت في العالم الثالث، نظام قام منذ أيامه الاولى معتمداً على موضوع الانتخابات وعلى موضوع الشورى وآراء الناس وعلى موضوع الحرية السياسية في انتخاب الادارة، ولذلك جرت اول انتخابات بعد الثورة في ايران بعد مضي خمسين يوماً عن انتصار الثورة لقد كان الامام الخميني “رض” في موقع عظيم في نفوس الناس واوساط الشعب الايراني في بداية الثورة، وكان يمكن ان يفرض الكثير من ارادته ويحمل هذه الاراء على الناس ويقبل هؤلاء الناس اراءه راضين كما يقبل احياناً العاشق برأي معشوقه، والمحب برأي من يحبه، أو الانسان المريد الذي يقدس شخصاً رأي من يقدسه حتى لو كان على خلاف ذوقه. ولكن مع ذلك كله وجدنا ان الامام “رض” لا يعرض رايه على الأمة، وانما حاول ان يجعل الامة مالكة لارادتها.، ويضيف ان تحرير ارادة الأمة، يعني الامة في الجمهورية الاسلامية كانت قد ملكت ارادتها بعد سقوط الحكم الاستبدادي المتمثل بالحكم الشاهنشاهي ومجيء العالم الرباني خريج الحوزات العلمية وخريج مدرسة أهل البيت عليهم السلام خريج مدرسة الحرية الاسلامية، لان مدرسة أهل البيت عليهم السلام هي مدرسة الحرية لما فيها من معالم كثيرة في الحرية، وفيه اشرت في بعض كتاباتي و خطاباتي الى ان مدرسة أهل البيت عليهم السلام هي مدرسة الحرية في الاسلام، وبالنظر الى ان هذا العالم الرباني عالم تخرج من هذه المدرسة الاسلامية لذلك أهتم بصورة اساسية بحرية الامة، ولكن بعد ان جعل الامة تملك ارادتها منذ اليوم الاول. (٩)
عناصر الحرية الحقيقية
يقول السيد محمد باقر الحكيم (رض) للحرية الحقيقية عناصر(١٠)
العنصرالاول: تحرر ارادة الامة من الهيمنة الاجنبية والتسلط الخارجي الاستكباري بحيث تكون القدرة الحقيقية للاستكبار والاجانب ويتم الانتخاب تحت هذه الهيمنـة والتسلط، ففي مثل هذه الحالة لا يمكن للامة ان تعبر عن ارادتها بصورة طبيعية بل يكون التوجيه للرأي والاختيار من قبل القوى الاجنبية.
العنصرالثاني: التحرر من الطغيان والاستبداد الداخلي الذي يمكن ان يتمثل بالصور التالية:
١- سيطرة الفرد الواحد على مقدرات الامور والسلطة وتوجيهها، كما هو الحال في الانتخابات المزيفة التي اجراها النظام الصدامي البائد لانتخاب رئيس الجمهورية في العراق، وكانت النتائج قريبة من نسبة ١٠٠%. مضيفا انه لا يمكن ان ننكر توجه عدد كبير جداً من ابناء الشعب الى صناديق الاقتراع في هذه الانتخابات مكرهين تحت ظروف المطاردة والعقوبات الاقتصادية والامنية دون ان يكون لهم خيار آخر.
٢- سيطرة الحزب الواحد وقوى الامن الداخلي التابعة له، كما هو الحال في الانتخابات التي كانت تجري في الكثير من الدول الاشتراكية سابقاً وفي بلدان العالم الثالث.
٣- سيطرة الفئـة العسكرية كطبقـة متحكمــة او طبقــة الاشراف والنبلاء او العشيرة الواحدة اوالطائفة الواحدة وغير ذلك من النماذج التي نشاهدها في مختلف بلاد العالم الثالث ً والدول القديمة في فرنسا ودولة الامويين والعباسيين وغيرها من الامثلة.
ويتابع (رض) ان هذه الفرضيات هي حقيقة تفقد الامة ارادتها وقدرتها على الاختيار ولا معنى للحرية في ظلها واطارها.
العنصرالثالث: تحرر ارادة الامة من سيطرة الشهوات والميول والاهواء، والتحول الى مجتمع التوحيد والتقوى، مجتمع الايمان بالله والعلاقات الانسانية الحقيقية والالتزام بصورة عامة بمنهج الحق والعدل.
ويضيف الحكيم لقد شخص الامام الخميني “رض” هذه العناصر في الشعب الايراني المسلم بصورة عامة من خلال التجربة الطويلة مع هذا الشعب، ومن خلال ادارة عملية الثورة وطريقة ادائها ومن خلال المشاركة الواسعة والفعلية للشعب ومؤسساته فيها بحيث كان يرى ان هذا الشعب المؤمن الذي تحرر من الطاغوت كان قد تحرر في الوقت نفسه من سيطرة الطغيان الداخلي للاحزاب والقوى السياسية ومن سيطرة الهيمنة الخارجية ومن سيطرة الشهوات والرغبات والميول، ووجود الاستعداد الكبير للتضحية والفداء وطلب الحق والتمسك به.(١١)
موقف المسلمين من القضايا الكبرى يجب أن يكون موحد
يقول السيد محمد باقر الحكيم (رض) أن الاختلاف في الأفكار والآراء يجب أن لا ينعكس على موقف المسلمين من القضايا العالمية الكبرى فالاختلاف الفكري بين أمة كبيرة لها تاريخ طويل وعلماء كثيرون طبيعي جداً، كما إن الاختلاف الفكري سنة من سنن الله تعالى ينتج عنه الحركة والتلاحم والنمو والثراء، لكن موقف المسلمين من القضايا الكبرى يجب أن يكون موحدا فالاختلاف هنا يعني ضعف الأمة وتمزقها وهيمنة أعدائها عليها لذلك أعتقد أن من أهم أسس التقريب توحيد موقف المسلمين تجاه القضايا الرئيسية والمركزية. والتوحيد في موقف المسلمين مطلوب في المجالات السياسية وفي المواقف الاجتماعية،. والمسلمون مطالبون باتخاذ موقف موحد تجاه هذه القضايا وهو عامل على تقريب المسلمين بكافة مذاهبهم وعلى وحدة الأمة.(١٢)
واضاف (رض) الأمر الأخير الذي أود أن أشر إليه في هذه العجالة هو قضية الأولويات في الحركة الاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية وسائر المجالات الأخرى. لابد للمسلمين أن تكون لهم أولويات، وأن يكون لهم سلّم في القضايا. أي قضية أولى بالاهتمام أو باتخاذ موقف من غيرها؟ لابد من أجل التقريب بين المسلمين من وضع القضايا الهامة في رأس قائمة الاهتمامات والمناقشات وسيكون ذلك عاملاً على التقريب بل على الوحدة. لأن القضايا مهما كبرت فان الاتفاق بشأنها يكبر أيضاً وكلما دخلنا في التفاصيل والجزئيات أكثر اتجهنا إلى الهامش أكثر.(١٣)
ويضيف السيد محمد باقر الحكيم (رض) ان قضية الأولويات قضية هامة إذ نجد أعداء الإسلام يحاولون دائما جر المسلمين للدخول في تفاصيل جزئية صغيرة بعيدة عن همومهم الكبيرة، من أجل أن يفرقوهم ويجعلوهم يختلفون ويتباعدون. والحركة الإسلاميّة الصحيحة هي التي تدفع المسلمين باتجاه الاهتمام بالقضايا الكبرى على المستوى السياسي والاجتماعي أمامنا تحديات كبيرة لا على الصعيد السياسي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الاجتماعي فأمامنا قضايا المرأة والجنس والمخدرات والآسرة والقضايا الاقتصادية وكثير من القضايا الأخرى تشكل بأجمعها تحديات أمام الموقف الإسلامي. ولقد اتضح عمليا أن المسلمين حين يدخلون في الحديث عن هذه القضايا الهامة الكبرى يجدون أنفسهم متفقين في الآراء والمواقف. وهكذا على المستوى السياسي يواجه المسلمون قضايا كبيرة مثل الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب، بين الحضارة الإسلاميّة والحضارة المادية وهكذا قضية فلسطين، وما أشبهها من القضايا ذات البعد الإسلامي. وإعطاء هذه المسائل الدرجة الأولى من الاهتمام يجعل المسلمين متقاربين متعاضدين. هذه في اعتقادي أهم الأسس التي يجب أن يقوم عليها التقريب بل الوحدة بين المسلمين.ويتابع (رض) ان النقطة المهمة في تصوري هي حاجة الأمة الإسلاميّة اليوم إلى التقريب والوحدة. فالأمة تعيش صراعا مصيريا، والتقريب والوحدة من العناصر الهامة في كسب المعركة في هذا الصراع المصيري. والحاجة كما يقولون أم الاختراع. عند الإحساس بالحاجة الحقيقية للوحدة والتقريب ستتحرك الأمة لسد حاجتها. ولذلك فان الفرص كبيرة لنجاح مشروع التقريب ونجاح أطروحة التقريب بين المذاهب ووحدة الأمة. من هنا نجد أن الأصوات الداعية للتقريب هي الأقوى، والأصوات الداعية إلى الاختلاف والتمسك بالفرعيات والتشبث بالجزئيات أصبحت هي الأصوات الخافتة، وأضحت هذه الأصوات السلبية تتحدث بطريقة ملتوية بعيدة عن الواقع، تحاول أن تخفي حقيقة مواقفها، تحاول أن تتخذ موقف النفاق، وحالة النفاق تعبر عن بداية الانتصار. (١٤)
ويتابع السيد الحكيم (رض) قوله انه عندما يبدأ الحق بالانتصار والباطل بالانهزام، يعلن الباطل عن نفسه أولا بشكل واضح ويدخل في الصراع، وعندما يُمنى بالهزيمة يحاول أن يدخل في حالة النفاق. وهذه الحالة مشهودة في بداية الدعوة الإسلاميّة، وفي تاريخنا المعاصر إبان الثورة الإسلاميّة الايرانية، حيث كان العلمانيون والملاحدة والمنحرفون والمرتدون يواجهون الثورة علنيا في البداية وعندما هزموا أخذوا يواجهونها بطريقة نفاقية. على أي حال، الإحساس بالحاجة الماسة بين المسلمين للتقريب هي بذاتها عامل على فتح الطريق لتحقيق هذا الهدف.(١٥)
الخاتمة
يعد آية الله السيد محمد باقر الحكيم (رض) والذي لقبه السيد الشهيد محمد باقر الصدر بالعضد المفدى، يعد من أبرز القادة السياسيين والدينيين في العراق، فضلا عن زعامته للمجلس الإسلامي الأعلى للثورة الإسلامية ، حيث اضطلع بدور قيادي على المستويين الديني والسياسي . وقد تبين لنا مما تقدم ان شخصية شهيد المحراب لم تكن شخصية عادية بل هي شخصية مرموقة وشخصية مؤثرة لها بصمات واضحة في رسم سياسة العراق وقد تبين ايضا ان السيد الحكيم كان ينظر الى كل ابناء الشعب العراقي نظرة واحدة ولم يؤمن بالطائفية ولم يؤمن بكل شيء من شأنه ان يمزق وحدة العراق ارضا وشعبا وكان (رض) ينشد اهداف سامية من شأنها ان توفر للشعب العراقي حياة كريمة امنة مستقرة ولكن اعداء الله والوطن لم يروق لهم هذا فتامروا عليه واغتالوه بسبب مشروعه الوطني التوحيدي ،فاستشهد في محراب صلاته عند جده امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام) . فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
الهوامش
(١) الملتقى الاسبوعي السياسي ـ الثقافي للسيد الحكيم بمدينة قـم المقدسة في ١١/جمادي الثانية/ ١٤٢٠
(٢) الملتقى الاسبوعي السياسي ـ الثقافي للسيد الحكيم بمدينة قـم المقدسة في ١١/جمادي الثانية/ ١٤٢٠
(٣) لقاء صحفي للسيد محمد باقرالحكيم اجراه معه رئيس تحرير مجلة رسالة التقريب ونشر في العدد١١
(٤) لقاء صحفي للسيد محمد باقرالحكيم اجراه معه رئيس تحرير مجلة رسالة التقريب ونشر في العدد١١
(٥) الملتقى الاسبوعي السياسي ـ الثقافي للسيد الحكيم بمدينة قـم المقدسة في ١١/جمادي الثانية/ ١٤٢٠
(٦) سورة المؤمنون الاية٧١
(٧) سورة الانعام الاية ١١٦
(٨) الملتقى الاسبوعي السياسي ـ الثقافي للسيد الحكيم بمدينة قـم المقدسة في ١١/جمادي الثانية/ ١٤٢٠
(٩) الملتقى الاسبوعي السياسي ـ الثقافي للسيد الحكيم بمدينة قـم المقدسة في ١١/جمادي الثانية/ ١٤٢٠
(١٠) الملتقى الاسبوعي السياسي ـ الثقافي للسيد الحكيم بمدينة قـم المقدسة في ١١/جمادي الثانية/ ١٤٢٠
(١١) الملتقى الاسبوعي السياسي ـ الثقافي للسيد الحكيم بمدينة قـم المقدسة في ١١/جمادي الثانية/ ١٤٢٠
(١٢) لقاء صحفي للسيد محمد باقرالحكيم اجراه معه رئيس تحرير مجلة رسالة التقريب ونشر في العدد١١
(١٣) المصدر السابق
(١٤) لقاء صحفي للسيد محمد باقرالحكيم اجراه معه رئيس تحرير مجلة رسالة التقريب ونشر في العدد ١١
(١٥) المصدر السابق