إضاءات حول دعاء كميل – الإضاءة الأولى ” اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء “
تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
بقلم : الشيخ مجيد العقابي
ليصلكم المزيد من الاحداث متابعة قناة التلكرام
بسم الله الرحمن الرحيم 🌿
مدخل إلى الدعاء: الرحمة كبوابة للدعاء
افتتح الإمام علي عليه السلام دعاء كميل بالتوسل إلى الله برحمته الواسعة. هذا الاختيار ليس عشوائيًا، بل يعكس فهمًا عميقًا لعلاقة الإنسان بالله. الرحمة هنا هي الجسر الذي يصل بين ضعف العبد وكمال الرب، وهي الصفة الإلهية التي تفتح باب الدعاء والتضرع، لأن الرحمة الإلهية تشمل الجميع دون استثناء.
قال تعالى: “ورحمتي وسعت كل شيء” (الأعراف: 156). هذه الآية تبين أن الرحمة هي الصفة الأولى التي تُظهر عظمة الله في التعامل مع خلقه، وهي ما يجعل كل عبد يطرق باب الله بثقة.
التحليل الروحي
• “اللهم”: هذا النداء يستحضر في القلب إحساس العبودية المطلقة لله. الإنسان حين ينادي الله بعبارة “اللهم” يُعبر عن حاجته الكاملة، متناسيًا كل ما سواه.
• “برحمتك”: التوسل بالرحمة يُعلمنا أن الله لا يُخاطب بما نعتقد أننا نستحقه، بل بما نعلم أنه يمنحه من كرم وجود.
• “التي وسعت كل شيء”: هذه العبارة تُظهر شمولية الرحمة، فهي لا تقتصر على المؤمنين فقط، بل تشمل الكائنات كلها، حتى من لا يُؤمن أو يعصي.
الجوانب النفسية
إن التوجه إلى الله برحمته يُضفي على النفس شعورًا بالسكينة والأمل. عندما يدرك الإنسان أن باب الرحمة مفتوح دائمًا، فإنه يتحرر من مشاعر الإحباط والقلق. التوسل بالرحمة يُذكر الإنسان أنه ليس وحده في مواجهة همومه، بل هناك رحمة تسع كل شيء، تكفيه وتُطمئنه.
قال علماء النفس إن التأمل في مفاهيم الرحمة الإلهية يعزز الصحة النفسية، حيث يمنح العقل والقلب استقرارًا، خاصة عند مواجهة التحديات.
الجوانب التاريخية
• الأنبياء والرحمة:
الأنبياء عليهم السلام، على الرغم من الابتلاءات العظيمة التي تعرضوا لها، كانوا دائمًا يتوسلون إلى الله برحمته. نرى ذلك في دعاء النبي نوح عليه السلام لقومه:
“فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا * يرسل السماء عليكم مدرارًا” (نوح: 10-11).
هذه الرحمة الإلهية هي التي أنقذت نوحًا ومن معه من الطوفان.
• الإمام زين العابدين ودعاء الرحمة:
كان الإمام زين العابدين عليه السلام يقول في دعائه: “يا من لا تنقصه كثرة العطاء، يا من لا تضجره كثرة المسائل، يا من يجيب المضطر إذا دعاه”. هذا التوجه يعكس إدراكًا عميقًا لرحمة الله التي لا تنفد.
الجوانب العلمية والفلسفية
• الرحمة في الكون:
يقول العلماء إن النظام الكوني يعكس صورة من صور الرحمة الإلهية. وجود قوانين دقيقة تحفظ استقرار الأرض، مثل الجاذبية ودورة الماء والحياة، هو انعكاس لرحمة الله في الخلق.
• الفيلسوف ابن رشد عن الرحمة:
يرى ابن رشد أن الرحمة هي الصفة الإلهية التي تضمن استمرار الحياة وتوازنها. بدون الرحمة، يتوقف الكون عن العمل بانسجام، لأنها الرابط بين الخالق والمخلوقات.
قصة عن الرحمة
يروى عن الإمام الصادق عليه السلام أن رجلاً ظالمًا قتل نفسًا بغير حق، ثم ندم على فعلته وبكى خوفًا من عقاب الله. جاء إلى الإمام يسأله: “هل لي من توبة؟” فقال له الإمام: “إن باب التوبة مفتوح دائمًا، ورحمته وسعت القاتل والمقتول”.
هذه القصة تُبرز شمولية الرحمة الإلهية التي لا يُغلق بابها أمام أحد.
الشعر وتأثيره الروحي
وقال الإمام الشافعي رحمه الله:
إذا ما كنت ذا قلب قنوعٍ
فأنت ومالك الدنيا سواءُ
ومن نزلت بساحته المنايا
فلا أرضٌ تقيه ولا سماءُ
هذا الشعر يُعبر عن تسليم النفس لرحمة الله وقدره، حيث أن القناعة والاستغفار هما سبيل الطمأنينة.
دعوة للتأمل
البداية بـ”اللهم إني أسألك برحمتك” في دعاء كميل ليست مجرد طلب، بل هي دعوة لنا جميعًا لنبدأ كل علاقة مع الله برجاء رحمته. الرحمة هي الأمل الذي يحفظ النفس من القنوط، وهي الحبل الذي يربط العبد بربه.
دعوة خاصة
لا تنسوني من الدعاء في هذه الليلة المباركة أثناء قراءتكم لدعاء كميل. أسأل الله لي ولكم الرحمة والمغفرة.




