“تغريدة الصدر” تفض تظاهرات المنطقة الخضراء
ندد المحتجون بترشيح محمد السوداني لرئاسة الوزراء والمشهد السياسي العراقي يتعقد لأمد طويل
بعد يوم احتجاجي طويل عاشه العراق بقلق، الأربعاء 27 يوليو (تموز) الحالي، أفاد مصدر أمني بإعادة فتح جميع الطرق التي اغلقت عصراً في العاصمة بغداد بسبب التظاهرات، بينما اعتبر الرئيس العراقي برهم صالح، أن “التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حق مكفول دستورياً”، مؤكداً على ضرورة “الالتزام بالضوابط والقوانين وحفظ الأمن العام والممتلكات العامة”.
كما تفقد نائب رئيس مجلس النواب شاخوان عبد الله مبنى البرلمان بعد مغادرة المتظاهرين المنطقة الخضراء.
نائب رئيس مجلس النواب متفقداً مبنى البرلمان
يوم طويل
وانتهى مساء يوم الأربعاء، في العراق بانسحاب المتظاهرين بعد نحو ساعتين من اقتحام مئات المؤيدين للتيار الصدري مبنى البرلمان بالمنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد، والتي تضم مؤسسات حكومية وسفارات أجنبية، للتنديد بمرشح خصوم الصدر لرئاسة الوزراء، في استعراض جديد للقوة وسط أزمة سياسية معقدة يعيشها العراق منذ تسعة أشهر.
وبعد نحو ساعتين من دخولهم البرلمان، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في تغريدة مناصريه إلى الانسحاب، قائلاً “ثورة إصلاح ورفض للضيم والفساد، وصلت رسالتكم، فقد أرعبتم الفاسدين. عودوا إلى منازلكم سالمين”، وإثر هذه الدعوة بدأ المتظاهرون على الفور الانسحاب تدريجاً من مبنى البرلمان.
ولم يتمكن العراق من الخروج من الأزمة السياسية بعد مرور تسعة أشهر على الانتخابات البرلمانية المبكرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، حيث لم تفض المحاولات والمفاوضات للتوافق وتسمية رئيس للوزراء بين الأطراف الشيعية المهيمنة على المشهد السياسي في البلاد منذ عام 2003، إلى نتيجة.
https://twitter.com/Mu_AlSadr/status/1552344349593190400?s=20&t=GNnNXS09ciuy___SioPSMw
البداية
وتمكن المتظاهرون المحتجون على تسمية “الإطار التنسيقي” الشيعي، خصم التيار الصدري، لمحمد السوداني كمرشح لرئاسة الوزراء، من دخول المنطقة الخضراء وأطلقت القوات الأمنية عليهم الغاز المسيل للدموع لمنعهم من التقدم نحو البرلمان، كما أفاد مصدر مسؤول في وزارة الداخلية لوكالة الصحافة الفرنسية.
ومع ذلك، نجح المتظاهرون في دخول مبنى البرلمان، واقتحموا قاعته الرئيسة وهم يرفعون الأعلام العراقية ويطلقون الهتافات، فيما حمل بعضهم صوراً لمقتدى الصدر.
بحسب وسائل إعلام محلية فقد شددت القوات الأمنية من الإجراءات وعملت على الانتشار بالموقع، في الوقت الذي عبر فيه المتظاهرون جسر الجمهورية باتجاه المنطقة الخضراء، وسمع دوي إطلاق نار في المنطقة الخضراء بعد أن استطاع المتظاهرون اقتحام بوابة البرلمان.
وتمثلت مطالب متظاهري التيار الصدري، الذين أطلقوا على الاحتجاجات التي جرت باسم ثورة عاشوراء، بحسب بيان، في ثلاثة مطالب، جاءت على النحو التالي، “إيقاف العمل بالدستور الحالي لحين كتابة دستور جديد، وحل مجلس القضاء الأعلى وإعادة ترتيب السلطة القضائية من خلال فصل المحكمة الاتحادية عن القضاء، وتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي من خلال انتخاب الشعب للرئيس بصورة مباشرة، ويكون ذلك من خلال إنهاء العملية السياسية الحالية، وتشكيل حكومة انتقالية لمدة سنتين مهمتها محاكمة جميع المسؤولين من رئيس الجمهورية إلى أصغر مدير عام والعمل على كتابة دستور جديد يمثل تطلعات الشعب العراقي.
وهدف المتظاهرون إلى احتلال البرلمان لمنع عقد أي جلسة للتصويت على رئيس الوزراء المرتقب. وذكرت قناة “العربية”، أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني وصل إلى بغداد الأربعاء.
وقال المتظاهر بشار من داخل البرلمان، “دخلنا رفضاً للعملية السياسية كلها، لا نريد حكومة توافقية، نريد شخصاً مستقلاً يخدم الشعب. وبحسب التوجيهات نغادر أو نبقى”.
التظاهرة انطلقت بعد ظهر يوم الأربعاء من ساحة التحرير في وسط العاصمة، حيث رفع المتظاهرون الأعلام العراقية وصوراً للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، معبرين عن رفضهم ترشيح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، ثم توجهوا عبر جسر الجمهورية إلى بوابات المنطقة الخضراء.
وقال المتظاهر علي الشمري، البالغ من العمر 40 سنة، “خرجنا للمطالبة بتغيير الطبقة السياسية”، مضيفاً “أرفض ترشيح محمد السوداني وأي شخص يأتي به الإطار التنسيقي”.
وسمى الإطار التنسيقي الذي يضم كتلاً شيعية أبرزها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالي لإيران، النائب الحالي والوزير والمحافظ السابق محمد شياع السوداني، المنبثق من الطبقة السياسية التقليدية، مرشحاً له.
الكاظمي يدعو المتظاهرين إلى السلمية
وإثر اقتحام المنطقة الخضراء، شدد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في بيان أن على المتظاهرين “الالتزام بالسلمية وبتعليمات القوات الأمنية المسؤولة عن حمايتهم بحسب الضوابط والقوانين”، ودعاهم إلى “الانسحاب الفوري من المنطقة الخضراء”. ودعا في بيان ثان “المتظاهرين إلى الانسحاب الفوري من مبنى مجلس النواب”.
وتوجه مسؤولون في التيار الصدري بينهم حاكم الزاملي، الذي كان نائب رئيس مجلس النواب قبل استقالته من البرلمان إلى المكان، وطلبوا من المتظاهرين الانسحاب، وفق المسؤول في وزارة الداخلية.
الإطار التنسيقي يرد
وتعليقاً على أحداث الأربعاء، أصدر الإطار بياناً قال فيه إنه “منذ أمس هناك تحركات ودعوات مشبوهة تحث على الفوضى وإثارة الفتنة وضرب السلم الأهلي”. واعتبر أن “ما جرى اليوم من أحداث متسارعة والسماح للمتظاهرين بدخول المنطقة الحكومية الخاصة واقتحام مجلس النواب، وعدم قيام القوات المعنية بواجبها يثير الشبهات بشكل كبير”.
كان السوداني (52 سنة) سابقاً في حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، أبرز الخصوم السياسيين للصدر، قبل أن يستقيل منهما حين طرح اسمه مرشحاً لرئاسة الوزراء في عام 2019، لكن المتظاهرين رفضوا ترشيحه حينها.
العراق بلا حكومة لفترة طويلة الأمد
وغالباً ما يكون المسار السياسي معقداً وطويلاً في العراق، بسبب الانقسامات الحادة والأزمات المتعددة وتأثير مجموعات مسلحة نافذة. ومن شأن أحداث الأربعاء أن تزيد من عرقلة المشهد السياسي ومضي خصوم الصدر السياسيين في عقد جلسة برلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم تسمية رئيس الحكومة، كما يقتضي الدستور. ومن المرتقب أن تدخل البلاد في أطول فترة جمود بعد انتخابات، إذ حال التناحر الداخلي بين التكتلات الشيعية والكردية بالأساس دون تشكيل حكومة، مما يعطل إصلاحات مطلوبة، في حين تجاهد البلاد للانتعاش بعد صراعات استمرت لعقود.
وبعد مضي أكثر من تسعة أشهر على إجراء انتخابات في أكتوبر لا يبدو أن المشرعين المكلفين باختيار رئيس للبلاد ورئيس للوزراء قد اقتربوا من الاتفاق على شيء، ليسجل العراق مدة قياسية تبلغ 290 يوماً من دون رئيس أو حكومة.
كانت أطول مدة سابقة في عام 2010 عندما مر بـ289 يوماً من دون حكومة، إلى أن تولى رئيس الوزراء نوري المالكي فترة ثانية في المنصب.
ودائماً ما يذكر الصدر، اللاعب الأساس في المشهد السياسي العراقي، خصومه بأنه لا يزال يحظى بقاعدة شعبية واسعة، ومؤثر في المشهد السياسي على الرغم من أن تياره لم يعد ممثلاً في البرلمان، فقد استقال نواب التيار الصدري الـ73 في يونيو (حزيران) الماضي من البرلمان، بعد أن كانوا يشغلون ككتلة، أكبر عدد من المقاعد فيه. وتمكن الصدر من جمع مئات الآلاف منتصف يوليو (تموز) في صلاة جمعة موحدة.
المصدر :اندبندنت عربية