تهدَّمت والله أركانُ الهدى
فُجع العالم الإسلامي في مثل فجر اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك من عام (40 هـ), بجريمة الاعتداء على رمز العدالة و الإنسانية وأول المؤمنين بالنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله), بل أول السابقين للإيمان برسالته المباركة والمدافعين عن الدين وقامع الملحدين وقاتل المشركين, نفس رسول الله وزوج ابنته الزهراء البتول وأبي السبطين الحسن والحسين(عليهم السلام), أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام), على يد أشقى الأشقياء ابن ملجم المرادي (لعنه الله) وهو يصلي في مسجد الكوفة.
فبعد التحكيم الذي جرى في حرب صفين تمردت فئة على الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وسميت هذه الفئة ب (الخوارج), وأعطاهم الإمام (عليه السلام) الفرص الكثيرة ليعودوا إلى رشدهم لكنهم استمروا في غيهم, وقاموا بتشكيل قوة عسكرية وأعلنوا استباحتهم لدم الإمام علي (عليه السلام) ودماء المنتمين إلى عسكره ، واستعدّوا لمنازلة جيش الإمام ، فقاتلهم الإمام ، وقضى عليهم في معركة النهر.
وكان جماعة من الخصوم -الذين يؤيدون الأفكار المنحرفة للخوارج- قد عقدوا اجتماعا في مكة المكرمة, وتداولوا في أمرهم الذي انتهى إلى أفدح وأسوأ العواقب, فخرجوا بقرارات كان أخطرها اغتيال أمير المؤمنين (عليه السلام), وقد أوكل أمر تنفيذه للمجرم الأثيم الزنيم عبد الرحمن بن ملجم المرادي, وفي صبيحة اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام (40هـ) امتدت يد اللئيم المرادي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ ضربه بسيفه أثناء صلاة نافلة الفجر في مسجد الكوفة الشريف, بينما كانت الأمة آنذاك تتطلع إلى النصر على قوى البغي والضلال التي يقودها معاويةُ في الشام.
لقد بقي الإمام علي (عليه السلام) يعاني من تلك الضربة الغادرة ثلاثة أيام, عهد خلالها بالإمامة إلى ولده الحسن الزكي (عليه السلام), وطوال تلك الأيام الثلاثة كان (عليه السلام) يلهج بذكر الله والرضا بقضائه والتسليم لأمره, كما كان يصدر الوصية تلو الوصية, داعيا لإقامة حدود الله عز وجل, محذرا من الهوى والتراجع عن حمل الرسالة الإسلامية, وبهذه المناسبة نقتطف جزءا من وصيته التي خاطب بها ولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) وأهل بيته وأجيال الأمة الإسلامية في المستقبل:
(كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا, أوصيكم وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي, بتقوى الله, ونظم أمركم, وصلاح ذات بينكم … الله الله في الأيتام … الله الله في جيرانكم … الله الله في القرآن … الله الله في بيت ربكم, لا تخلوه ما بقيتم … الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله , وعليكم بالتواصل والتباذل, وإياكم والتدابر والتقاطع, لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فيولى عليكم شراركم, ثم تدعون فلا يستجاب لكم … ).
لقد عانى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من تلك الضربة المشؤومة المسمومة ثلاثة أيام بلياليها, وضجت الملائكة في السماء بالدعاء, وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة, ونادى جبرئيل (عليه السلام) بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ:
(تهدمت والله أركان الهدى .. وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى .. وانفصمت والله العروة الوثقى .. قتل ابن عم محمد المصطفى قتل الوصي المجتبى .. .. .. قتل علي المرتضى قتل والله سيد الأوصياء .. قتله أشقى الأشقياء ).