فرصة سنوية.. كيف نستثمر شهر رمضان؟
🔹إنّ حياة الإنسان هي مجال اختبار وفرصة استثمار ومضمار سباق، وكيف لا يكون كذلك إذا كان كل ما يأتي به الإنسان زرع يغرسه ليحصد ثماره غداً سواء كان خيراً أو شراً، وكل ما يهمله من خير فسوف يفتقده في وقت لا يستطيع له تدارك ما فات ولا الاستزادة مما ترك.
🔹ولكنّ لشهر رمضان خصوصية بين الاوقات في حياة الإنسان فهو فرصة سنوية مميزة قدرها الله سبحانه بما يسره فيه من البركات والنفحات والاستجابة والاقبال وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، حتى يكون موعداً لمزيد من الجد والاجتهاد والتزوّد والاستعداد.
🔹وليساعد ذلك على مراجعة الانسان لجوامع اموره وترتيب اوراقه وتهذيب نفسه واصلاح خصاله وترتيب أوراقه واتخاذ خطوة عميقة في اتجاه الاستعداد للقاء الله سبحانه والقدوم على الدار الآخرة.
🔹وقد فرض الله سبحانه في هذا الشهر على المؤمن الصيام عن الرغبات المادية لتتلطف روحه ويزداد إحساسه بما يهب في هذا الشهر من النسيم الإلهي على قلوب الطالبين ويكون عونا له على تقوى الله سبحانه.
🔹ولا غنى للإنسان في هذه الحياة بجنب اهتمامه الدائم والعام بالتصبر والتيقظ والاستعداد والاستغفار من تخصيص مدة في كل فترة ليشد فيها على نفسه، ويسعى أن يغير فيها أموراً في حياته تحتاج إلى مثابرة ومتابعة وتوالٍ للعمل واتصال للجهد، فجلّ أعمال الإنسان وإن بدت اختياراً له في وقتها لكنها تتأثر بخصال الإنسان وقواعد نفسية تتيح وتسهل له أموراً وتعسر عليه أموراً أخرى، فلا بدّ للإنسان مضافاً إلى اهتماماته الدائمة واليومية والشهرية بالجوانب المخلّدة المعنوية والروحية والأخلاقية من أن يكون له تفرغ سنوي لنفسه ليكون بمثابة دورة تربوية له يتقدم فيها في هذا الشأن.
وذلك ما خصّ الله سبحانه لأجله هذا الشهر الفضيل.
🔹فعلى الإنسان المؤمن أن يستحضر أهمية هذه النعمة الإلهية وينتبه إلى ما يتجلّى فيها من حكمة وتدبير، وأن ينتفع بهذا الشهر انتفاعاً ملائماً مع الفرصة التي أتاحها الله سبحانه للإنسان وأكرمه بها.
وليسعَ أن يزداد إيمانا ويقيناً بالله سبحانه حتى يستحضره في أحواله كلها استحضار من يراه ويشهده ويزداد يقيناً بالوفود عليه والدار الآخرة حتى كأنه محمول إلى شفير قبره ومحل غربته.
وليصلح من أخلاقه كل ذميمة ونقصان ويتحلَ بدلاً عنها بكل خلق فاضل وكريم. وليهتم بالناس مثل ما يحبه من الاهتمام به فيما لو كان على مثل حالهم من يُتم وفقرٍ ومسكنة وسغب ومرض وعوز ومن فقدان عمل وتعذر زواج والحاجة إلى مأوى ومثل ما يحب من عناية الله تعالى به في هذه الحياة وما بعدها في ظلمات البرزخ وعرصات القيامة.
وليستعن على ذلك بدوام الطهارة وكثرة الشكر، وليتلُ القرآن بتدبر وإمعان شاعراً في نفسه أنه كلام الله سبحانه معه.
وليقرأ الأدعية المأثورة قراءة سؤال وإلحاح وتضرع والتماس. وليوقن حقاً أنه قد نودي عليه بالرحيل وأمر بالتزود وأن غده لأقرب مما يظن وليذكر من انقضى من آبائه وإخوانه وزملائه فانقطعت علائقهم من الدنيا وخلفوا ما فيها وراء أظهرهم وأقبلوا على ما أرسلوه من قبل من الأعمال الباقية والخصال الخالدة.
ألا وإنّ أفضل الأمور في هذا الشهر هو الورع عن محارم الله في السر والعلن وتقوية مقومات الورع في النفس حتى تكون ملكة راسخة يبقى أثرها ويلقى الله تعالى بها.
🔹ومن لم يستطع أن يتقدم إلى الأمام في هذا الشهر الفضيل في مزيد من التبصر والتربية والتزوّد مع ما أتيح له فيها من مزايا ميسرة وإعانات مسهلة لن يستطيع في أية فرصة أخرى أن يتقدم فيها.
فهنيئاً للذين عرفوا سنن الحياة وقواعدها واعتبروا بالتعاليم الإلهية وانتفعوا بالنفحات الربانية في هذا الشهر الفضيل، ليزدادوا إيماناً وتبصراً وصلاحاً وخلقاً كريماً ويتزودوا بمزيد من الذكر والشكر والعبادة والإحسان.
🔹وإنّ الإنسان المؤمن يجد في هذا الشهر حقاً فرصة للتقوى والصلاح كما قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]
🔹اللهم وفقنا في هذا الشهر لما وفقت له أوليائك، وصُنّا عما صنتهم، وهيِّء لنا فيه سيرة ترضى بها عنا وتوجب لنا الكرامة لديك والزلفى عندك وهيئنا فيه للقائك حتى نفد عليك كراماً عليك مرضيين عندك إنك ودود رحيم.
✍🏻: أية الله السيد محمد باقر السيستاني