المقالات

حلقات ما بعد انتصار الله في لبنان 4 “رياض: الشهيد الذي ارتفع إلى السماء”

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»

بقلم الدكتور حسان الزين

في بلدة قبريخا، تلك البلدة الصغيرة التي تتربع على تلال الجنوب الصامد، محاطة بواد السلوقي، عاش شاب اسمه رياض. كان رياض مفعمًا بالحياة، مملوءًا بالأمل والقوة والنشاط. نشأ رياض في بيت مقاوم، وهو ابن لأم استشهدت جراء قصف العدو، فكان منذ صغره متشبعًا بحب الوطن والمقاومة. كان مدافعًا عن أرضه التي طالما كانت ميدانًا للبطولات في وجه العدو الصهيوني، وخاصة في العام 1985. لم يكن رياض مجرد شاب عادي، بل كان معروفًا بإيمانه العميق وعشقه لأهل البيت عليهم السلام، وعلى رأسهم الإمام الحسين عليه السلام، الذي كان مصدر إلهامه في كل خطوة من خطوات حياته.

في أحد الأيام، وبينما كان رياض يجلس في غرفته الصغيرة داخل منزله في قبريخا، يتحضر مع رفاقه للقيام بعمل إنساني لمساعدة الجرحى، حدث ما لم يكن في الحسبان. الطائرات الحربية الإسرائيلية كانت تحلق فوق البلدة، وفي لحظة من الحقد الأسود، أطلقت صاروخًا استهدف منزل رياض مباشرة. ضرب الصاروخ المنزل، لكن الغريب أن جسد رياض لم يبق له أي أثر. لقد تبخر تمامًا رغم كل المحاولات للبحث عنه، وكأن الصاروخ لم يستطع أن يلامس روح هذا الشاب الطاهر.

انتشر الخبر بسرعة في البلدة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. أهل قبريخا الصامدة كانوا في حالة من الذهول. تساءلوا: كيف يمكن أن يتبخر جسد رياض؟ كيف لهذا الصاروخ الغريب أن يخطف ابنهم دون أن يترك أثرًا؟ لكن الحقيقة كانت واضحة: الملاك الجسدي لرياض لم يشأ أن يلامس صاروخ الحقد، فرفعه الله إلى السماء. لقد تجاوز رياض الحقد الدنيوي، وارتفع إلى مقام الشهداء في العليين، حيث يلتقي بالأرواح الطاهرة.

لم يكن رياض وحده في تلك اللحظة الحرجة. كان معه ثلاثة من رفاقه الشجعان، الذين عاشوا معه المقاومة والصمود، واستشهدوا معه في نفس الغرفة. وبينما كانوا يعيشون لحظاتهم الأخيرة، كانت ألسنتهم تلهج بالدعاء: “هل رضيت يا حسين؟ هل رضيت يا حسين؟”. كانت هذه الكلمات هي آخر ما نطقوا به، كلمات حملت أرواحهم إلى السماء، حيث الحق والعدل والنور.

رياض ورفاقه لم يكونوا مجرد ضحايا لحرب ظالمة، بل كانوا شهداء، ارتقت أرواحهم إلى حيث لا يطالهم الحقد ولا القذائف. كانوا نورًا يشع في سماء الجنوب، وكان استشهادهم رسالة للعالم الصامت بأن المقاومة لا تنتهي، والشهداء لا يموتون، بل يرفعهم الله إلى مقام لا يبلغه إلا الصالحون.

أهل قبريخا لم يروا جسد رياض، لكنهم رأوا في سماء البلدة نورًا يشع، وكأن رياض ورفاقه يحيونهم من السماء، ويخبرونهم بأن النصر قادم، وأن دماء الشهداء هي التي تزرع الأمل في الأرض. كانوا يصدحون من السماء بأصواتهم: “حافظوا على النصر الآتي قريبًا”، مؤكدين أن أجسادهم الطاهرة ارتفعت إلى السماء، رافضة أن تمنح شرف ملامسة الحاقدين.

لقد كان رياض رمزًا للكرامة والشجاعة، ورفاقه كانوا مثله، رجالًا لا ينحنون أمام الحقد ولا يستسلمون للطغاة. استشهدوا وهم في ذروة الإيمان والتضحية، وتركوا وراءهم إرثًا من البطولة والصمود.

هكذا الشهداء، لا يموتون بل يرتقون. يحملهم الله إلى السماء، ويظلون خالدين في قلوب الأحياء، يرشدونهم إلى طريق الحق والنصر.

اترك رد

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار