المقالات

6- حلقات ما بعد انتصار الله في لبنان

“زهراء: أم الصمود في بلدة صديقين”

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»

‎بقلم :  الدكتور حسان الزين

‎في بلدة صديقين العاملية، تلك البلدة الجنوبية التي ارتوت بدماء الشهداء وصبر الأمهات، كانت تعيش زهراء، الأم الحنونة التي كرست حياتها لأولادها الأربعة. كانت زهراء امرأة صلبة وقوية، تحمل في قلبها الإيمان الراسخ والعشق لآل البيت عليهم السلام، وتربت على قيم المقاومة والصمود منذ نعومة أظافرها.

‎في يوم من أيام الحرب، وبينما كانت تجلس في بيتها الصغير، جاءها خبر مفجع. طرق باب بيتها رجلان، يحملان في عيونهما نظرات الحزن. تقدم أحدهما إليها وقال بصوت خافت: “يا أم الشهيد، ابنك طالب قد استشهد في ساحة المعركة.”

‎تجمدت اللحظة، وملأ الصمت المكان. شعرت زهراء وكأن الزمن توقف وكأن الشمس تساقط شعاعها، لكنها لم تبكِ. لقد حبست الدمعة في قلب الله لم تصرخ كما كان يتوقع الجميع بل طفا على كلماتها الحكمة والتصبر .ول ورفعت يديها إلى السماء وقالت بصوت ثابت: “الحمد لله هذا ابني، وهذا ديني، وهذا طريقنا. يا زينب الكبرى، هل وفيت معكم يا آل محمد؟”

‎كان طال ، ابنها الأكثر حيوية ، قد قدم روحه في سبيل الوطن. ترك البيت منذ سنوات ليلتحق بالمقاومة، وكان قدوة لإخوته الثلاثة الذين ساروا على خطاه. لم يكن استشهاده مفاجأة بالنسبة لزهراء، فقد كانت تعلم أن أولادها الأربعة اختاروا طريق الشهادة، وأن هذا الطريق لا ينتهي إلا بالانتصار أو بالشهادة.

‎لم تمر ساعات على خبر استشهاد طالب ، حتى جاءها نبأ آخر: جرح ابنها الثاني حسين ، علي، في نفس المعركة. كانت إصابته خطيرة، ولم يكن هناك تفاصيل كافية عن حالته. كانت أخبار الجبهة تتوالى، وزهراء تسمع عن المعارك والتضحيات، لكنها فقدت الاتصال بأبنائها الآخرين، ولم تعد تعرف عنهم شيئًا.

‎رغم ذلك، كانت زهراء ثابتة محتسبة ..تردد. حسبنا الله ونعم الوكيل
‎لم تهتز، بل ازداد إيمانها وصلابتها. كلما سمعت صوت الطائرات أو القصف في الخارج، كانت تردد: “سننتصر، يا آل محمد. سننتصر.” وكانت تناجي السيدة زينب الكبرى: “يا زينب، هل وفيت معكم؟ هل قدمت ما يكفي؟”

‎في كل ليلة، كانت زهراء تجلس وحيدة في غرفتها الصغيرة، ترفع يديها بالدعاء وتناجي ربها أن يحفظ أبناءها وأن يمنحهم القوة والصبر. كانت تعلم أن الصبر هو سلاح الأمهات، وأن النصر لا يأتي إلا بعد الألم والانتظار. لم يكن لديها سوى الإيمان بالله، وبأن النصر قادم لا محالة.

‎لم تكن زهراء وحدها في هذا الطريق. كانت جزءًا من مجتمع صديقين العاملية الذي كان يعج بالصبر والثبات. كانت أمهات الشهداء والجرحىً يتجمعن في بيوتهن ، يتبادلن القصص والدموع، لكن قلوبهن كانت دائمًا مفعمة بالأمل. كنّ يعرفن أن أولادهن في جبهات القتال، وأنهم يدافعون عن الحق، وأن الشهادة هي أسمى مراتب النصر.

‎زهراء، في تلك اللحظات الصعبة، لم تكن تفكر في نفسها. كانت تفكر في أولادها، وفي الأمهات الأخريات، وفي كل من ضحى بحياته من أجل الوطن. كانت تقول: “إذا كان هذا هو ثمن النصر، فسنقدمه بكل رضا.”

‎مرت الأيام، ولم تتلق زهراء أي خبر جديد عن أبنائها. لكن قلبها كان مطمئنًا. كانت تشعر أنهم بخير، سواء كانوا أحياء أو شهداء. لم يكن الموت يخيفها، فقد كانت تعلم أن الشهادة هي الطريق إلى الخلود، وأن أولادها يعيشون في جنات الخلد مع الأنبياء والصالحين.

‎في نهاية كل دعاء، كانت تردد زهراء: “يا زينب، نحن على العهد باقون. لن ننحني، ولن نتراجع. سننتصر، وإن طال الطريق.”.

‎هكذا كانت زهراء، أم الشهداء وأم الصمود. لم تخضع للظروف، ولم تستسلم للحزن. بل كانت رمزًا للإيمان والثبات، تحملت آلام الحرب وأوجاع الفراق، لكنها ظلت مرفوعة الرأس، تنتظر اليوم الذي يعود فيه النصر لأهل الجنوب، وهي واثقة بأن قوة الحق ستنتصر في النهاية
‎وكم أمّ كزهراء قدمت قرابين الفداء على مذبح الوطن لنحيا في لبنان ونسمع العالم ان الله كان معنا وما زال. وسيبقى .وجه ربك ذي الجلال والإكرام .

اترك رد

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار