تكريم الأم في القرآن

بقلم : الشيخ مجيد العقابي

يولي القرآن الكريم الأم مكانة رفيعة لا تضاهيها مكانة أخرى، فهو يقدّر دورها الجوهري في حياة الإنسان وفي بناء المجتمع. حينما يخاطبنا القرآن عن الأم، نجده يركز على مكانتها العظيمة، مذكّراً بالمعاناة التي تتحملها في سبيل تربية الأجيال ورعايتهم. قال الله تعالى:

{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} (لقمان: 14).

في هذه الآية يتجلى التكريم الذي أولاها الله للأم، فهي التي حملت الطفل تسعة أشهر، وواجهت الآلام والتحديات خلال هذه الفترة ثم استمرت في رعايته وتربيته بعد ولادته. وكأن الله تعالى هنا يضع تذكيراً دائماً في قلب الإنسان بفضل أمه عليه، لكي يكون الشكر لله مقترناً بالشكر للأم.

القرآن لا يكتفي بالحديث عن الأمومة من ناحية الواجبات، بل أيضاً يعزز أهمية الاحترام والعناية بالأم في مراحل متقدمة من حياتها. يقول الله تعالى:

{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (الإسراء: 23).

هنا تظهر قيمة بر الوالدين، وخاصة الأم، حيث يدعو القرآن إلى احترامهما في كبرهما ويمنع كل أشكال الإهانة أو الإيذاء اللفظي حتى في أصغر الأمور. إن مجرد قول “أف” يعتبر في نظر القرآن تجسيدًا لعدم الاحترام.

الأم هي المحور الذي يبدأ منه بناء الأجيال، فهي التي تغرس في أطفالها القيم والمبادئ منذ لحظاتهم الأولى. وربما لهذا السبب نجد أن الله قد أشار إلى الأم في عدة مواضع من القرآن كقدوة ومثال يُحتذى به، مثلما ذكر قصة مريم عليها السلام، التي تمثل قمة العفاف والإيمان، وكيف واجهت التحديات العظيمة في حياتها بإيمان وصبر.

إن تكريم القرآن للأم لا يقتصر على هذه المواضع، بل إن كل إشارة للأم تحمل في طياتها رسالة عميقة تُذكر بأن المجتمع الصالح يبدأ من التربية الصالحة، والأم هي حجر الأساس في هذه التربية.

وفي ختام هذا المقال، يتبين لنا أن مكانة الأم في القرآن عظيمة لا تُضاهى، فهي المحور الذي يدور حوله بناء الأجيال، ويأمرنا الله بالاعتراف بفضلها ورعايتها خاصة في مراحل ضعفها وكبرها.

مركز الفكر للحوار والإصلاح