أتمتة الحياة العراقية..
تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
بقلم : حسين فرحان
ذات يوم استبدل مالك أحد المطاعم البغدادية المشهورة طاقم العمال العراقي بأكمله بطاقمٍ جديدٍ من العمال، لم يكونوا من كوكب آخر لكنهم كانوا من دولة أخرى تشاطر دولتنا انتماءها للقارة الآسيوية، لم يكن في هؤلاء العمال ما يميزهم عن ابن البلد سوى ما يتقاضونه من أجور تعدُّ زهيدة بالقياس لما يتقاضاه العراقي.. فالمئة دولار بحسابات السوق وأسعار الصرف مبلغٌ كبيرٌ بالنسبة للعامل الوافد إلينا من تلك الدول الفقيرة، ما دفع بأصحاب المطاعم والمهن الأخرى إلى تلاقف هذه الفكرة واستحسانها والعمل على انتشارها رعاية لخفض أجور العمل وتوفير مبالغ كبيرة قد تصل الى نسبٍ عالية فيما لو لم يستنجدوا بهذه الأيدي العاملة ذات الكلفة الزهيدة..
وهو أمرٌ لا مجال فيه للعواطف التي ستقف عاجزة أمام واقع يخبرك بأنَّ هناك فرقاً واضحاً في النفقة.. وأنَّ مجال المفاضلة بين الطرفين
قد خضع لهذه الموازين الاقتصادية النفعيَّة، وأنَّ من الغباء تفويت فرصة استثمار هذا الفارق الكبير في أجور العمل بينهما، بالإضافة لعامل الوقت الذي يحدد العمل اليومي، ونوع الخدمة، والظروف المتغيرة المتقلبة التي تمنع العامل العراقي من الحضور بالوقت المناسب لمكان عمله أو عدم الحضور أصلاً بسبب إجراءات حكوميَّة أمنيَّة أو صحيَّة كقطع بعض الطرقات أو فرض حظر مفاجئ للتجوال وغيرها من إجراءات.. حتى أصبح الأمر برمته كأنه المقدمة والتمهيد لأتمتة الحياة العراقية وإنْ كان البديل إنساناً آخر وليس الآلة.. فكيف بهذا العامل العراقي أو المزارع أو الموظف لو توغلت الآلة لحياته العملية كما توغلت العمالة الأجنبيَّة الرخيصة؟
وكيف به لو أصبح وهو يرى شؤون الصناعة في بلده وزراعته وتعليمه وصحته وقد أصبحت تدار بالآلة التي يشرف عليها عدة أشخاص
فيتم الاستغناء عنه لأنَّ الآلة لا تطلب أجراً سوى متطلبات التشغيل والإدامة والصيانة؟
هي الأتمتة إذاً.. وهي التي سنلعنها ذات يوم بينما يرفع لها الإقطاعيون الجدد قبعاتهم، فلنستعد لذلك اليوم، وليكن استعدادنا معنوياً..
فليس بمقدورنا الوقوف أمام إرادة المنتفعين فهم أحرارٌ في اختيار طريقة عملهم سواء باستقدام يدٍ عاملة رخيصة كما يحدث اليوم أو بأتمتة كل شيء في المستقبل القريب..
قد نتساءل عن بدايات الأتمتة وبوادرها.. وقد نستغرب لو عرفنا أنَّ تلك الآلة الحاسبة الصغيرة التي كفتنا مؤونة ضرب الأخماس بالأسداس والبحث عن جذور الأعداد لم تكن سوى أنموذج أولي للأتمتة وأنّ آلات أخرى كثيرة غيرها حلت محل العقل البشري واليد البشرية من دون أنْ تحمل هذه الصفة (الأتمتة) بشكلٍ واضح، لكنها مع تطور الحركة العلميَّة وتقدمها أصبحت البديل الناجح عن الإنسان، ولم يكن هذا
الاستبدال للبشر ليهمنا كثيراً أو يؤثر فينا كدولة من دول العالم الثالث، فنحن ما زلنا نمارس وجودنا العملي بشكلٍ واقعي ونتقاضى الأجر
على ذلك، فالآلة التي تصنع السيارة والهاتف النقال والحاسوب والأدوية والثياب والسلاح وغيرها لم تطأ أرضنا بعد، نعم.. هناك البعض منها وقد استخدم في مجالات صناعية مختلفة لكنه لم يرق الى مستوى أنْ تجلس العمالة على دكة الاحتياط أو مع جمهرة المتفرجين..
في بلدنا لا يزال الأمر في بداياته، فالآلة التي نخشى من هيمنتها لا تزال بعيدة المنال بسبب طبيعة الانتماء العالمي، فدول العالم الثالث
يتحتم عليها الانتظار طويلاً قبل أنْ تخوض في هذه المجالات المتقدمة من حلول الآلة بشكل يشبه حلولها في دول العالم المتقدمة،
لكن ما يمكن استخدامه من آلات في المستقبل القريب على المستوى الحكومي أو على مستوى القطاع الخاص قد يكون له تأثير كبير في تشغيل اليد العاملة العراقيَّة التي تعرضت لهزة عنيفة حين نافستها اليد العاملة الأجنبيَّة، فكيف بها لو اجتمعت معها الآلة التي تصنع أضعاف ما تصنعه، فصاحب المال لا يهمه سوى سرعة الإنتاج وغزارته، وعموماً.. فهي مسألة وقت لا أكثر حتى تضاف للبطالة بطالة جديدة لتنتهي معها حقبة الحرفة اليدويَّة كما انتهى الحال – كمثال- بالخطاطين الذين غادرت أحرفهم لوحات الإعلانات التجاريَّة التي أصبحت تصمم بحاسوب صغير وتطبع بمطابع خاصة وتدار بأيادٍ لا تفقه بفن الخط والزخرفة شيئاً.