العراقُ والمؤشِّراتُ العالمية
تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
بقلم : حسين فرحان
أما آنَ الأوانُ لأنْ نلتفتَ قليلًا وبشيءٍ من الجِدّيّةِ إلى واقعِنا العراقي؟
أما آنَ الأوانُ لأنْ نمنحَ من شابتْ رؤوسُهم ودخلوا عقدَهم الخامسَ والسادسَ والسابعَ من العمرِ لحظاتٍ من السلامِ والسكينة؟
أما آنَ الأوانُ لأنْ نُخرِجَ شبابَنا من نَفَقِ اليأسِ المُظلمِ المليء بالمطبّاتِ والدّاعي للإحباط والتأزُّمِ النفسي؟
أما آنَ الأوانُ لنُخطِّطَ لأطفالِنا مُستقبلَهم الذي نتمنّى أنْ يختلفَ كثيرًا عن حاضرنا وماضينا؟
أما آنَ الأوانُ لأنْ نرى جميعًا خيرَ هذه الأرضِ وخلوَّها من اللصوصِ وخروجَ مُقدّراتِها من أيادٍ عملتْ جاهدةً وما زالتْ لتبقي هذه الصورةَ المُشوّهةَ على حالها؟
أما آنَ الأوانُ لكي نرى جميعًا لوحةً أخرى لهذا الوطنِ خاليةً من لونِ الدمِ ورائحةِ البارود وضجيج حواراتٍ ونزاعاتٍ لا طائلَ منها، وقد استُهلِكتْ جميعُها، فما وُضِعتْ لبنةٌ على أخرى ولا عُمِّرتْ للمسكين دارٌ؟..
لماذا لا نختصرُ المسافاتِ والزمنَ ونفوِّتَ على خفافيشِ النفوذِ والسلطةِ والطبقةِ الأرستقراطية المهيمنةِ على مقدراتِنا فرصةَ خداعِنا واستغلالِنا واستثمارِ مآسينا في زيادةِ حجمِ أرصدتها؟
متى سيعي بعضُ الناسِ أنّهم حين يجْرون وراءَ أجنداتِ الأحزابِ فإنّهم لن يجدوا غيرَ السرابِ، وإنْ وجدوا شيئًا فلنْ يكونَ سوى الخراب..
لنُلقِ نظرةً على المؤشِّراتِ الدوليةِ التي وضعتْها مُنظّماتٌ عالميةٌ لتقييمِ وضعِ البُلدان، لنُمعِنِ النظرَ ونتأمّلْ في مؤشِّرِ مُدركاتِ الفساد- مثلًا- الذي وضعتْه مُنظمةُ الشفافيةِ العالمية، ولنُلقِ نظرةً أخرى على مؤشِّرِ الحُرّياتِ العالمي، وأخرى على المؤشِّرِ العالمي لجودةِ التعليم، وأخرى على مؤشِّرِ السلامِ العالمي، ولنتأمّلْ في مؤشِّرِ حُريةِ الصحافةِ، ومؤشِّرِ الصحةِ، وكذلك في مؤشِّرِ مُنظَّمةِ بلومبيرغ الاقتصاديةِ للابتكار، وحتى مؤشِّر الجوعِ العالمي… نحنُ بحاجةٍ لأنْ نُراقبَ موقعنا بين الدول فيه، ولا بأسَ كذلك لو حقّقنا النظرَ في المؤشِّرِ العالمي لقوّةِ جوازِ السفرِ الذي أصدرته مؤسسةُ “هينيلي وبارتنرز” الدولية، لا بأسَ ولا ضيرَ ولا مانعَ من أنْ نُراجعَ كُلَّ هذه المؤشِّراتِ الدوليةِ لنعرف موقعَنا بين شعوبِ الأرض في هذهِ المجالاتِ وغيرها، وحينها سنجدُ أنّنا في ذيلِ القائمةِ مُنذُ سنواتٍ طويلةٍ نتزاحمُ في القعرِ مع دولٍ لا تمتلكُ حتى الجزء اليسير ممّا نمتلكُ من ثرواتٍ أنعمَ اللهُ (تعالى) بها علينا.
قراءةُ واقعِنا عبرَ هذه المؤشِّراتِ يكفينا مؤونةَ الخوضِ في التفاصيلِ المُملّةِ التي استهلكتْ أعمارَنا عدًّا وإحصاءً، وأورثتنا الحسراتِ حين تراكمتْ واستحالتْ في جماجمِنا إلى ما يشبهُ الغُدَدَ السامةَ التي -لكثرتها- تدفعُنا للتخلُّصِ منها أو مُحاولةِ نسيانِها ونسخِ تفاصيلِها بالجديدِ منها، ولا جديدَ إلا من سنخها، حيث لم تختلفْ فيها إلا التواريخ.
فمن بابِ النصيحة، دعونا نتركُ الخوضَ في التفاصيلِ بهذه الهيئةِ الرتيبة، أو أنْ نعقدَ الجلساتِ والندواتِ والمؤتمراتِ للحديثِ عن مُفرداتِ الخراب، فالخرابُ قد وقعَ بعنوانه وبشكلِه ومضمونه، بل أصبحَ سمةَ هذا البلدِ المُميّزةَ والحاضرةَ والشاخصةَ والماثلة، سمِّها ما شئتَ، فالمشهدُ العامُ -شرّقَ أهلُ التحقيقِ في شأنِه أو غرّبوا- لن يكونَ سوى (خراب)..
لذلك -وعودًا على مضمونِ النصيحةِ- ينبغي النظرُ إلى هذه المؤشِّراتِ الدوليةِ على أنّها ممّا ينذرُ بزوالِ بقايا الأمل بالصلاح، حيث سنشهدُ المزيدَ من الخفافيشِ التي لنْ تتركَ لأشعةِ الشمسِ فُسحةً لدخولِ هذه الأرض، وممّا نرجوه من إعادةِ النظرِ في هذه المؤشِّراتِ هو أنْ يتحقّقَ لنا الدافعُ القوي للتغييرِ وخوضِ معركةِ الإصلاحِ التي وصفتْها المرجعيةُ الدينيةُ بقولِها: “إنَّ هذه المعركةَ ـالتي تأخّرتْ طويلًا- لا تقلُّ ضراوةً عن معركةِ الإرهابِ إنْ لم تكنْ أشدَّ وأقسى”.
فهل ستكونُ الجماهيرُ بالمُستوى المطلوبِ لإحداثِ التغيير؟
وهل سيتخلّى بعض المسؤولين عن ميولِه ورغباتِه ومصالحِه الشخصيةِ والحزبيةِ والفئويةِ وغيرِها، ممّا قيّدَ نفسَه به فأصبحَ عاملًا مُساعدًا لديمومةِ هذه المنظومةِ الفاسدةِ التي كانتِ المُسبِّبَ الأكبرَ لجعلِ هذا البلدِ العزيزِ في ذيلِ قوائمِ المؤشِّراتِ العالمية؟