تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
بقلم : د. ايناس عبد الهادي الربيعي
في اعلان صريح من قبل الرئيس الامريكي (جون بايدن) في مستهل زيارته للشرق الاوسط في الخامس عشر من تموز الجاري بأن الولايات المتحدة لن تتنازل عن الشرق الاوسط للصين او روسيا في منافسة متصاعدة ومحمومة بين القوى العظمى للسيطرة على المنطقة حيث التقى بتسعة من القادة العرب خلال تلك الزيارة ، اذ تحدث في جلسة مع مجلس التعاون الخليجي وثلاثة قادة اقليميين في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية بالقول ( لن ننسحب ونترك فراغا تملاه الصين او روسيا او ايران) ، لتبادر الصين بالرد على تلك التصريحات عبر سفارتها في بغداد بالقول الشرق الاوسط ليس باحة خلفية لاحد ، وشعوبه هم سادة المنطقة .
بعناوين فضفاضة زال بريقها تحدث بايدن عن التزام الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط والدفاع عن حقوق الانسان ولاسيما ما يتعلق بحقيقة مواجهة بايدن لولي العهد السعودي بشأن قضية (خاشقجي) بألقاء اللوم عليه نقلا عن الرئيس (بايدن) الذي صرح للصحفيين بإنه واجه الامير محمد على انفراد بما أسماه جريمة قتل (شائنة) ، وهو ما نجده عرضا دراميا للقضية بين النفي والتأكيد من اطراف حضروا اللقاء في حين تم تأكيد ذلك من قبل منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الابيض (جون كيربي) الذي اكد بالقول ( كان الرئيس واضحا جدا بشأن المحادثة ونحن نقف الى جانب روايته) وهو امر نجد بأنه ان دل على شيء فهو دلالة واضحة على عدم الدقة في نقل الحدث من قبل المحيطين بالرئيس بايدن بل هو ان صح التعبير عرض مسرحي جاهز للتداول امام وسائل الاعلام قد يعمد لاستثماره خلال حملته الرئاسية .
و بالعودة الى اجتماعات القمة نجد ان الرئيس بايدن قد عمد الى الاجتماع بشكل منفصل مع القادة العرب المتواجدين لحضور القمة قبل الانضمام الى جلسة جماعية تضم القادة التسعة والتي نجد ان توقيتها كان متزامنا مع أضطراب اسواق الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا حيث كان يأمل في التشجيع على زيادة الانتاج النفطي في محاولة لخفض أسعار البنزين في الولايات المتحدة الامريكية ، وهو ما نجده سيرا على خطى رؤساء امريكيين سابقين مثل (جيمي كارتر) الذي سافر الى طهران في العام 1977 في ليلة رأس السنة للاحتفال مع الشاه الذي كان له سجل حافل في مجال انتهاك حقوق الانسان بدافع الحصول على بنزين ارخص وامدادات نفطية آمنة ، حيث لا يخفى على الكثيرين بأن كارتر وغيره من الرؤساء بإن الادوات المتوفرة لدى بايدن لا ترقى لمستوى خفض التكاليف خاصة بعدما بدأت روسيا احد اكبر منتجي الطاقة في العالم حربا ضد أوكرانيا ،فخلال عهد كارتر كانت امدادات النفط في الشرق الاوسط مهددة بفعل الثورات، مع اصرار بايدن على ان زيارته للمنطقة لا تتعلق بالنفط لكن في اتفاق تسربت تفاصيله نجد ان الطرفين كل من السعودية والولايات المتحدة الامريكية توصلا على ان الدول المنتجة للنفط ستوافق على زيادة الانتاج في آب المقبل كجزء من قرار لمجموعة اوبك بهذا الصدد مع تعهدات من المملكة السعودية ببذل المساعدة خلال الاسابيع المقبلة ، الا انه تجد الاشارة الى ان الولايات المتحدة تمثل اكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم الا ان ذلك لا يمثل سوى (12%) من امدادات النفط العالمية في حين ان سعر النفط والتكلفة الرئيسية للبنزين مازال بالإمكان ان يواصل ارتفاعه او انخفاضه في ظل الاحداث حول العالم وهو ما لا يمكن لأي رئيس حول العالم مهما كان قويا ان يفعل الكثير للسيطرة على زمام الامور في تلك الازمة العالمية هذه الحقائق امر واقع لا يمكن لأي احد ان ينكرها وهو ما يتأكد بقول ( تشيز أونترماير) سفير الولايات المتحدة السابق في قطر خلال ادارة (جورج دبليو بوش) بانه : ( قد يكون الرؤساء اقوى شخصية في الحكومة الامريكية لكنهم لا يستطيعون التحكم في سعر النفط عند المضخة) وخلاصة القول انه حتى لو انخفضت الاسعار لأسباب خارجة عن ارادته فمن المحتمل الا يكون له الكثير من الفضل في ذلك ، ومع التدقيق في لقاء الرئيس بايدن مع ولي العهد السعودي في جدة يوم الجمعة كان هناك أشارة اقل وبدون ضجة للاعلان المقتضب من قبل البيت الابيض حول الازالة المرتقبة لقوات حفظ السلام الامريكية من الجزر السعودية في البحر الاحمر والتي تم نقل السيطرة عليها من قبل مصر للملكة العربية السعودية منذ عام 2017 والتي طالما كانت ذات اهمية إستراتيجية لكل من اسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية على الرغم من كونها قاحلة وغير مأهولة بالسكان الا انها تسيطر على مضيق تيران الطريق البحري الوحيد المؤدي ال مدينة ايلات الساحلية جنوب اسرائيل ،والتي لا تزال متأثرة باتفاقيات السلام المبرمة بين كل من مصر وإسرائيل منذ قرابة اربع عقود وبالتوازي مع التفاهمات الجديدة بشأن تلك الجزر فإن الولايات المتحدة سبق وان اعلنت بإن المملكة السعودية ستسمح برحلات جوية مدنية مباشرة بين المملكة العربية السعودية واسرائيل بقرار سيسمح للمواطنين العرب في اسرائيل بالسفر للحج بشكل مباشر الى مكة المكرمة ، فبعد سنوات من العزلة الاقليمية تكتسب اسرائيل قبولا سريعا من بعض القادة العرب لوجود مخاوف مشتركة بين الطرفين من ايران نووية لتكون تلك خطوة تحتسب لإدارة بايدن في طريق وضع اتفاقيات ابراهيم موضع التطبيق مع صفقات تطبيع لثلاث دول عربية هي كل من الامارات والبحرين والمغرب ، ليمكن ان قمة جدة قد تعد جواز المرور لتوطيد العديد من العلاقات سواء في السر او في العلن ليبقى التساؤل المطروح هل يمكن ان تعد قمة جدة ترتيبات اقليمية لاحتواء ملفي ايران والنفط وملف الامن الغذائي الذي بات يهدد العديد من الدول العربية في ظل استمرار الحرب الروسية الاوكرانية في ظل سياسية خليجية تتمثل بمسك العصا من المنتصف مع منح الاولوية لمصالحهم في تلك الازمة وتداعياتها على المنطقة العربية المتعددة الحلفاء لاسيما المنافسين في كل من بكين وموسكو مع سعي امريكي لترتيبات اقليمية في سعيها لتعزيز مصالحها الاستراتيجية واستعادة بريقها في المنطقة العربية مع تعزيز وجودها في وجه منافسيها والذي قد يتمثل في السعي لتشكيل ناتو شرق اوسطي والذي توارى عن نقاشات القمة والذي من المرجح ان يكون مصيره كمصير صفقة القرن التي طرحها الرئيس السابق دونالد ترامب والتي كان مصيرها الفشل ، ومن هذا المنطلق حري بنا التأكيد ان الاوضاع الحالية تتطلب من الدول العربية التنسيق والتشاور لتعزيز العمل العربي في ظل التحديات التطورات الاقليمية والدولية التي تواجهها لوضع رؤية جديدة تنبع من اساس الاعتماد على الذات مع الحرص على معالجة ازماتها ومشاكلها تحت سقف البيت العربي مع اخذ زمام المبادرة لوضع حلول ذاتية بما يدفعها للارتقاء الى مستوى قوى اقليمية قادرة على ايجاد حالة من التوازن مع قوى اقليمية اخرى بما يجعلها قادرة على اثبات تأثيرها في المشهدين الاقليمي والدولي على حد سواء .