تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
بقلم : حسيني الاطرقجي صحفي وباحث
بشكل كبير، انقسم الشارع العراقي على الصعيد السياسي والجماهيري ايضا بين مُتهم ومُدافع، ولم يختلف الخطاب السياسي عن الخطاب الجماهيري فكلا الخطابين “شعبوي صِدامي”، الانكى ان الخطاب السياسي لم يحمل اي فكرة سياسية او قراءات امنية مترتبة على خلفية صدمة التسريبات، وعلى افتراض صحتها من عدما.. لعل هذه المرحلة كشفت عن الذهنية السياسية التي لا تمتلك اي حلول او قراءات وتتعاطى مع الملفات تعاطي المفاجأة التي تحمل الموجة الكاسرة سوى التوجه بالدعاء وطلاسم النجاة وتمائمها.
ما لم يُطرح ولن يطرح على ما اعتقد أن ضربة “التسريبات” جرّت العملية السياسية على خشبة المسرح تحت اضاءة دقيقة وعالية، كانت على راسها الموقف الصعب للاجهزة الامنية والقضاء بين تراشق الاتهامات دون امكانية السيطرة على طرفيها، وامكانية النفوذ الخفي الى مكاتب اكبر الزعامات السياسية خاصة أن التلويح بالملفات والتسريبات ليس جديدا على المشهد السياسي العراقي، حاولت الزعامات السياسية تلافي صدامات التصريحات للوهلة الاولى لكن الخط الثاني والمريدين والجماهير تحركت دون الالتفاتة لهذه المحاذير ووسعت رقعة الاتهامات واعادت بنفسها الصدام للمشهد، مما يعني بالدرجة الاساس ان النزاع انتقل الى الجماهير بصورة اكبر وصارت العدوى الجماهيرية المُتقابلة غير قادرة على الاحتواء، فضلا عن ان هذه المحطة الملغومة ستقدم تكتيكا جديدا لصراع الملفات والتسريبات مع امكانية استغلال الفاعل الدولي لهذه الآلية.
قبل قرابة السنة، كانت القوى السياسية متخوفة من الوصول الى المحطات الصعبة، فحركت رغبتها باقرار قانون الجرائم المعلوماتية للتصدي للماكنات الاعلامية والمنابر الصحفية من شر الغسيل السياسي، كان هذه الرغبة انعكاسا للعجز الكبير عن احتواء الازمات في حال حصولها، خاصة ان الاحداث سيدة الموقف السياسي، بالمحصلة فإن الطبقة السياسية هي طبقة صناعة الازمات لا إيجاد الحلول، غير ملتفتة لتهديدات الامن القومي على صعيد الحكومة والمواطن والمجتمع الدولي، وهذه الطبقات السياسية لطالما اعدت نفسها على مرحلتين “الاولى كمأساة كما حصل حتى العام الحالي من عمر الحكومة، والثاني كمهزلة سيكشف عنها الغد”..
الحكومات تموت لتولد غيرها من نسلها كما في رجال السياسة المنتجين، لكن السلطات العبثية ستنتحر وهي عقيمة دون وريث او ذكر حَسِن، لانها ستنتهي بمهزلة يضعها في خانة القردة السياسية التي تمارس دور السلطة ثم تطلق النار على بعضها، بالصدد ذاته يتارجح العراق بين الدولة المستقرة والدولة الفاشلة في محطة الدولة المتخبطة، لكنها اقرب ما تكون للفاشلة، والبدايات الخاطئة حتما وبلا شك ستقود لنهايات مأساوية، أما بيت القصيد في الذهنية السياسية فإن اعادة تشكيل الامن القومي العراقي وفق ما يتطلبه العراق من اقتصاد غير ريعي (تنموي) ومؤسسة تعليمية رصينة واجهزة امنية وقضائية غير خاضعة للمزاجات السياسية، سيقضي على البرغماتية والغنائمية السياسية، فكما شن التنظيم الارهابي داعش غزواته المعروفة، شن الفساد غزوة كبرى على جسد الدولة تجسدت في صورة “التسريبات”.