المقالات

‎5- حلقات ما بعد انتصار الله في لبنان ‎: “صمود في غرفة الطوارئ: يوم صيفي في المستشفى الإيطالي”

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»

بقلم : الدكتور حسان الزين

‎في يوم صيفي شديد الحرارة في جنوب لبنان، كان كل شيء يبدو هادئًا حتى اللحظة التي قام فيها العدو الإسرائيلي بتفجيرات البيجر على مساحة واسعة من القرى الجنوبية،
‎بل على مساحة كل لبنان حتى وصل الحدث إلى بعض سوريا
‎مستهدفًا آلاف المدنيين وعمالا في المراكز الصحية والاجتماعية . ذلك التفجير، الذي هز المنطقة بأسرها، ترك وراءه دمارًا لا يوصف وجراحًا عميقة في أجساد الناس، لكنه لم ينجح في كسر عزيمتهم.

‎في المستشفى الإيطالي على مشارف صور الصامدة منذ فجر التاريخ والشاهد على حصار الاسكندر ، كانت غرفة الطوارئ تغص بالمصابين والأهل القلقين ، معظمهم شباب أصيبوا في الهجوم الإلكتروني والأمني والاستخباراتي . وصل ثلاثون شابًا إلى المستشفى قسم الطواريء ، بعضهم فقد أطرافه، البعض الآخر أصيب في عينيه أو أصابته جروح خطيرة في أماكن مختلفة من جسده. لكن ما كان يلفت الانتباه هو صبرهم وصلابتهم وثباتهم كالشجر في عاصفة هائجة ؛ لم يكن هناك صوت للأنين أو الصراخ، بل كان كل واحد منهم يردد بصوت خافت: “الحمد لله”.

‎رغم الجراح التي أصابتهم في كل مكان وخاصة في الأصابع والأعين ، كان هؤلاء الشبان الشجعان يتمتعون بصلابة استثنائية، وكأن الألم لم يكن قادرًا على هزيمتهم وتحريك فيهم الوهن والانهزام . كانوا يرفعون أبصارهم نحو السماء باعين خطفها الغدر وبأياديهم المبتورة متأسين بالعباس ، يناجون الله في صمت، ويرجون منه ما يعينهم على تخطي الصعاب مدركين أن ما يمرون به هو جزء من صمودهم في مواجهة العدو المجرم . كانت عزيمتهم أكبر من الحقد الذي أراد العدو أن ينشره بينهم.

‎في تلك اللحظات الصعبة، كان هناك طبيبان فقط في غرفة الطوارئ، الدكتور بلحص والدكتور بزيغ مع مجموعة من الـ ممرضات والممرضين يعملون بلا تعب ، الطبيبان كغيرهم من الزملاء في أماكن أخرى من وطن جريح . كانا يعملان بلا توقف في ظل النقص الحاد في الإمكانيات. وحالة من الضغط المطرد والعالي
‎اضطر الطبيبان إلى تطبيق مبدأ المفاضلة في التعامل مع الإصابات؛ كان عليهما أن يقررا من يحتاج إلى العلاج الفوري ومن يمكنه الانتظار. كانت المهمة شاقة، وكان الضغط النفسي والجسدي هائلًا، لكنهما استمرا في العمل بإيمان بأن كل دقيقة قد تُنقذ حياة.

‎كان الوضع في غرفة الطوارئ أشبه بمعركة صامتة، حيث كانت الجراح تزداد عمقًا لكن الصبر كان السلاح الأقوى في مواجهة كل هذا الألم. لم يكن هناك من يتذمر أو يشكو، بل كانت الكلمات الوحيدة التي تتردد على ألسنتهم هي كلمات الحمد والشكر، وكأنهم يعلنون بتلك الكلمات انتصارهم الروحي على العدو.

‎في الخارج، كانت القرى غارقة في الحزن، فقد ترك الهجوم آثارًا عميقة بين سكانها. كان تفجير البيجر قد استهدف مدنيين أبرياء، وترك خلفه الاف الجرحى، لكن العدو لم يكن يعلم أن ما زرعه من دمار لم يُضعف الروح المعنوية للشعب، بل زاد من صلابتهم وإيمانهم بأن الصبر هو الطريق الوحيد لمواجهة الغطرسة.

‎في نهاية اليوم، وبعد أن قام الطبيبان بكل ما في وسعهما لتضميد الجراح وإنقاذ الأرواح، كان من الواضح أن الصبر الذي أظهره هؤلاء الشبان لم يكن مجرد قوة داخلية، بل كان رسالة إلى العدو. لقد أظهروا أن الإرادة يمكن أن تكون أقوى من الألم، وأن الإيمان والصبر سلاحان لا يمكن لأي قذيفة أن تهزمهما.

‎ذلك اليوم كان درسًا في الصمود. في مواجهة التفجيرات والدمار، وقف هؤلاء الشبان أقوى من الجراح. لم يكن الألم قادرًا على كسرهم، لأن روح المقاومة كانت أكبر من كل ما أراد العدو أن يفعله
‎سيعود الطبيبان إلى عملهم بعد انتصار الله في الميدان لان أملهم الوحيد هم رجال الله والثقة الكاملة بالله .

اترك رد

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار