مركز النسيم للدراسات الاستراتيجية

السيد السيستاني استراتيجية الفكر والدين

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»

بقلم : د. ايناس عبد الهادي الربيعي

لم يكن الدور الريادي للسيد (علي السيستاني) دام ظله بالحديث من الناحية الزمانية حيث كان ومازال للمرجعية الدينية العليا ممثلة بالسيد بسماحته دام ظله دور بارز في تصديه للازمات والقضايا المصيرية التي واجهها العراق خلال تأريخه الحديث بحضور فاعل ودور بارز في القضايا الإقليمية والوطنية ، فقد عاصر السيد السيستاني كل الأنظمة السياسية التي تعاقبت على العراق من العهد الملكي إلى العهد الجمهوري فكان شاهدا على كل المآسي والكوارث والمظالم والمعاناة التي مرّ بها الشعب العراقي، وعايش مرحلة التنكيل بمئات الآلاف من معارضي النظام البائد ، فبنظرة ثاقبة وحكمة سياسية في تقييم الأوضاع ومنذ وقت مبكر خلال أحداث العام 2003 أصدر فتواه لضبط الشارع عما يمكن ان تؤول اليه الأوضاع الأمنية فأصدر فتواه بتحريم نهب المال العام ودعا للحفاظ عليه ، كما أصدر فتواه في آيار من العام ذاته التي منع فيها الثأر من أزلام النظام البائد ورفع الامر الى القضاء ، فللسيد السيستاني دوره القيادي وتأثيره الكبير الذي لا يخفى على أحد خصوصاً المواقف التي صدرت عنه خلال الازمات والقضايا المصيرية التي واجهت البلاد خلال مرحلة نشوء تنظيم داعش الإرهابي وسيطرته على مناطق واسعة في العراق فبعد سيطرة تلك العصابات على الموصل وبعض المناطق من محافظة صلاح الدين في العام 2014 وفي ظل التحديات الأمنية التي عاشها العراق آنذاك تصدى سماحته بصلابته وحكمته مع الحدث بموقف أعظم شأنا بإعلان الجهاد الكفائي.

ففي ظل هذه الظروف كان السيد السيستاني بحنكته يوجّه وينصح ويقترح ويُفتي بما يعالج به العديد من المشاكل التي لا يبدو لها حل أو تلك التي تُهدد مصير البلاد بل والمنطقة أيضاً مثل فتوى الجهاد الكفائي كما أسلفنا والتي كان لها التأثير الكبير والأساسي في تحرير العراق من أرهاب تنظيمات داعش حيث وضعت هذه الفتوى أسسا جديدة لقواعد القتال بعد اتحدت جميع الفصائل تحت لواء واحد ، ليكون بذلك قوة ضامنة لأمن وسلام واستقرار البلد، فقد ترجم آمال وطموحات العراقيين أتجاه الاحداث المتغيرة والمتسارعة والتي تظهر الحاجة الماسة فيها الى قيادة محنكة تنظر الى المستقبل بعزم وثقة ، حيث برز السيد المرجع الحكيم ثابتا كالطود لا تهزه التهديدات ولا الازمات بل كان وما يزال يتعامل معها بحنكته المعهودة ، فلم تكن الظروف الانية وتحديات النظام الجديد والاضطرابات المحلية او الإقليمية بالعائق  المانع من توجيه سماحته وتقديم مقترحاته لعلاج المشاكل التي لا يبدو لها حلا في الأفق القريب.

وكما هو الحال بدعم سماحته للقضايا الوطنية فيعرف عنه دعمه لقضايا الامة الإسلامية والمنطقة فمنذ ان وسع الكيان الغاصب عدوانه على لبنان اصدر سماحته بيانات عدة كان من أبرزها الحديث عن وحشية الاحتلال بدءا من تفجير أجهزة الاتصالات وأستهداف الأبنية السكنية في لبنان وترويع النساء والأطفال حيث وجهت المرجعية ممثلة بسماحته بإعانة الشعب اللبناني وتقديم الدعم عير توزيع المساعدات الإنسانية في مناطق عدة من بيروت حتى وصلت الى شمال لبنان, وبعد العدوان على الضاحية الجنوبية الذي أستهدف الأمين العام لحزب الله السيد (حسن نصر الله) طاب ذكره أصدر السيد السيستاني بيانا عزى فيه لبنان والأمة الإسلامية مشيدا بدور الفقيد في دعم العراقيين ومساندتهم في تحرير البلاد من الإرهابيين ليكون وصف له ب (الشهيد الكبير) مذكرا بدوره المتميز في تحرير الأراضي اللبنانية ضد الكيان الغاصب ومواقفه في نصرة الشعب الفلسطيني حتى دفع حياته الغالية ثمنا لذلك، حيث أقام نجلا سماحته مجلس عزاء للسيد نصر الله في كربلاء المقدسة نيابة عنه.

اما القضية الفلسطينية فموقفه ثابت والذي عبر عنه في موافق ومناسبات عدة ولم يكن المستنكر العابر بل عايشها بكافة تفاصيلها مواكبة لإحداثها وصولا الى طوفان الأقصى حيث أكد سماحته تأييده الكامل للشعب الفلسطيني في حقه في مقاومة المحتل ، ولم يكتفي بذلك بل كان من الأوائل المتحدثين عن المسؤولية الدولية إزاء الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني داعيا الى نصرة الشعب المظلوم بالقول ( على العالم كله الوقوف في وجه التوحش الإسرائيلي ومنع تمادي قوات الاحتلال عن تنفيذ مخططاتها لإلحاق المزيد من الأذى بالشعب الفلسطيني المظلوم) داعيا الشعوب الإسلامية خاصة الى التكاتف والتلاحم للضغط بإتجاه وقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، متحدثا عن جرائم المحتل وهمجيته مؤكدا على وجوب أنهاء مأساة هذا الشعب المستمرة منذ سبعة عقود بنيله لحقوقه المشروعة وأزالة الاحتلال عن أراضيه المغتصبة والذي يجده السبيل الوحيد لإحلال الامن والسلام في المنطقة ، ومن أوجه الدعم لإسناد المقاومة في قطاع غزة توجيه سماحته بعلاج وأستضافة جرحى القطاع وعوائلهم بشكل مجاني في المستشفيات التابعة للعتبات المقدسة ، ولهذا وضعه الكيان الغاصب على رأس أهدافه لحضوره الفاعل في القضايا المصيرية الامر الذي أثار غضب العراقيين عموما شعبا وقيادات سياسية ودينية .

لتكون المرجعية الحكيمة صمام أمان العراق في ظل التحولات السياسية الكبيرة التي تشهدها المنطقة ليبرز دون دور السيد كلاعب حقيقي في ضبط أيقاع الاحداث السياسية الهامة والتي يكون لها تأثير في التوجيه نحوها لما يتمتع به من قدسية وأحترام واسع في صفوف الجماهير العراقية والمحافل الدولية ليكون منزله قبلة للزائرين من مختلف الطوائف والمذاهب والقوميات ، اذ ان المرجعية الحكيمة في العراق باتت مرسى ونقطة ثقل لثبات وأستقرار المنطقة والعالم الإسلامي ، كما شكل محور التوعية لشعوب المنطقة في مواجهة أستراتيجية الاحتلال والتوسع للكيان الغاصب.

ليبقى سماحته صمام أمان العراق والمسلمين بما يحظى به من مكانة عالية وأحترام كبير في العالم لتكون بصماته واضحة في تأسيس النظام الديمقراطي العراق.

اترك رد

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار