كيف تنصف آخرتك.

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
فصل المواقف هو أحد الأسس المهمة التي يحتاجها الفرد في بناء موضوعيته وإنصافه في التعامل مع الآخرين والأحداث. إن القدرة على الفصل بين المواقف الشخصية والحقائق الموضوعية تتطلب نضجًا فكريًا ووعيًا بأن المواقف المتغيرة لا تعني ضرورة الاحتفاظ بالعداوة أو الاستمرار في الخصومة، بل تفرض على الإنسان أن يكون عادلاً ومنصفًا في تقييم الأمور.
عندما يواجه الفرد مشكلة أو خصومة مع جهة ما، من الطبيعي أن تتأثر مشاعره وتتشكل مواقفه بناءً على هذه الخصومة. ولكن إذا تغيرت الظروف، وأصبحت هذه الجهة مظلومة أو تعرضت للاضطهاد، يتطلب الإنصاف من الفرد أن يراجع موقفه. فالعدل يفرض على الإنسان أن يدافع عن الحق حتى لو كان من خصمه. هذا السلوك لا يعني تنازلًا عن الموقف الأصلي أو تراجعًا عن الحقائق المتعلقة بالخصومة، بل هو إقرار بأن الإنصاف والعدل أهم من النزاعات الشخصية.
القدرة على فصل المواقف تتطلب تمييزًا بين الحقائق والعواطف، وبين المبادئ والمصالح. فعندما يُصاب الفرد بالظلم أو يتعرض لموقف غير عادل، قد يقوده غضبه إلى اتخاذ مواقف متشددة. ولكن العدل يُلزم الإنسان بالابتعاد عن هذه العواطف المفرطة في لحظات معينة، والتفريق بين ما هو شخصي وما هو موضوعي.
عدم الإنصاف هو دليل على وجود مرض في النفس، سواء أكان هذا المرض ناتجًا عن كبر أو تعصب أو حقد دفين. فالإنسان الذي لا يستطيع أن يرى الحقيقة ويعترف بها، حتى لو جاءت من خصمه، هو إنسان عاجز عن الوصول إلى النضج الأخلاقي والروحي. ومن هنا، فإن القرآن الكريم والسنة النبوية دعوا دائمًا إلى العدل في كل الظروف، حتى مع الأعداء. يقول الله تعالى: “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ” هذه الآية تؤكد على أن الخصومة أو العداوة لا تبرر أبدًا الظلم أو الانحياز، بل يجب أن يكون العدل دائمًا حاضرًا في التعامل مع الجميع.
فصل المواقف هو دليل على نضج الفرد ورقيه الأخلاقي. فالإنسان العاقل هو الذي يزن الأمور بميزان الحق، ويبتعد عن الانفعالات الشخصية، ليكون منصفًا حتى مع من يختلف معه. الإنصاف هو الطريق إلى بناء مجتمع سليم ومستقر، يقوم على العدالة والاحترام المتبادل.
مركز الفكر للحوار والإصلاح