مركز النسيم للدراسات الاستراتيجية

الأحاديث الشريفة ودورها في تعزيز مفهوم التربية الإنسانية و السلوكية لدى الشباب.

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»

الدكتورة روله علي الصيداوي – سورية دمشق

مسؤولة الصحة النفسية التربوية ريف دمشق – أستاذة جامعة دمشق.

المقدمة.

أهمية البحث.

الفصل الأول: التنشئة التربوية ودورها في تنمية القابليات الإنسانية.

الفصل الثاني: أهمية إرشاد الشباب في ظل التحديات الخارجية و المتغيرات

الأخلاقية.

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

لقد لحظت المجتمعات كافة جوهر الرسالة التنموية التي أرسلتها الرسالة المحمدية الأصيلة عليها السلام  في المجتمع آنذاك  وحتى يومنا هذا.

مما جعل الكاتبين والباحثين الشرفاء يضيؤون على أهمية التنشئة التربوية و أثرها التنموي في المجتمعات ليجعلوا منه منهجاً يقتدى به لبناء شخصية  الإنسان الحضارية وتنمية قدراته الكامنة والحفاظ على كرامته الإنسانية.

ولاشك أن هدف التربية التنموية هو تنمية القابليات الإنسانية بحيث يصب في إنماء الشخصية الإنسانية من جميع جوانبها فنحن بحاجة اليوم إلى ثورة تربوية جديدة تتجاوز الأهداف المحدودة و الضيقة إلى الحركة الإنسانية الشاملة ، فتستوعب القيم الروحية والأخلاقية، والآمال الإنسانية و معنى وجود الإنسان وحياته ومواقفه وموته ومصيره ، وهذه الرؤية للتربية لا توفّرها إلا التربية السليمة، القادرة والمؤهلة لتكون قدوة صالحة.

كما لحظ الدين الإسلامي في تشريعاته الإنسان وأعطاه حقوقه كافة، وحفظه وحماه من كل الظلم الذي تعرض له عبر التاريخ فهو المولود المحترم المكرم من

الله تعالى(ولقد كرمنا بني آدم )(١). وهو الذي يتلقى التربية التي تحميه من أيدي الفاسدين، وهو  ذو الحقوق والواجبات المعظم. ونحن لا نستطيع بناء شخصية حضارية إلا من خلال الحفاظ على الكرامة الإنسانية للمسلم وهي من  الوسائل المهمة القوية التأثير في تعديل قوى النفس البشرية والسمُو بسلوكها، وتقويم عوجها وتوجيهها الوجهة الصالحة الصادقة.

وهذه هي الطريقة السليمة السديدة لبناء الشخصية الحضارية وتنميتها من خلال  التجربة العملية لأنها تساعد الإنسان على تنظيم سلوكه، واستيعاب آماله وتعلمه كيف يصلح لحاضره ومستقبله معاً،  فالحياة البشرية تتدافع، ويستمر تيارها في التّدفق،  فلا بد من أن تترك الأجيال البشرية المتعاقبة آثارها وبصماتها في المجتمعات وهذا هو الإسهام الإيجابي من الإحياء في عمارة الكون.

وبالخلاصة يمكن القول إن التشريع الإسلامي قد حفظ الحقوق المعنوية والمادية للإنسان، ليعده ويساهم في  تربيته تربية أصيلة وواعية تنسجم مع دوره الإنساني والرسالي الكبير،  وبناء الرؤية الفكرية الإسلامية الأصيلة ووضع القوانين والبرامج التي تنظم الحقوق والواجبات التي ترتقي بالإنسان،  الذي له الدور الأكبر في الأسرة و في الساحات والميادين المنسجمة مع دوره ووظيفته. وهذا ما يجعل الباحثين والكتّاب الشرفاء يحاولون جاهدين لإنصاف مكانته بعد أن حاول الغرب طمس معالم هوية المسلم.

أهمية البحث: تعد التربية التنموية هي معرفة فكر الإنسان وتنميته بصفة خاصّة، وهذا يساهم في تنمية قدراته وشخصيته الاجتماعية.

حتى تبدو الأمور واضحة لديه و بذلك نؤسس تناغماً واقعياً  بين القِيَم والتربية المثالية من جهة، وبين الذات الواقعية من جهة أخرى،  فتصبح شخصيته مستقرة، و بعيدة عن الضياع وهذه الجوانب جميعها تدعم الشخصية التنموية لدى أبناء المجتمعات وتوضح الرؤى لدى فئات المجتمعات وتحافظ على القيم بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالمؤسسات التربوية والاجتماعية.

لذلك كان لا بد من السعي لبحث قضية تربية الإنسان  من خلال الأحاديث الشريفة والمساهمة في بلوغه  الكمالات المعنوية والأخلاقية و المعرفية، وهذا من أهم ما يجب التنقيب عنه وضمانه. فإذا استطاع المجتمع الإسلامي تربية الإنسان وفقاً للأسوة الإسلامية والاقتداء برسول الله والأئمة الأطهار-عليهم السلام-  قادرين على التأثير على العالم وعلى التاريخ، حيئذ يبلغ المسلم مقامه الحقيقي والشامخ وسيحصل على نصيبه الذي فرضه الله تعالى وأقرته الشريعة الإلهية له من العلم والمعرفة و الكمالات المعنوية والاخلاقية، و ستكون تربية الأطفال عند ذلك أفضل، و أحضان العائلة أكثر دفئاً ونقاءً و أماناً، وسيغدو المجتمع أكثر تقدماً ومشاكل الحياة أسهل حلاً، وحركة التصدّي والسعي الثقافي لبحث قضية الكرامة الإنسانية في الفكر الإسلامي أوضح وأجلى.

الفصل الأول: التنشئة التربوية و دورها تنمية القابليات الإنسانية لدى الشباب : مفهوم التنشئة التربوية:

حَظِيَ مفهوم التنشئة التربوبة باهتمام كبير في مختلف مجالات المعرفة ( علم الاجتماع، الإنثربولوجيا، علم النفس) وفي المعاجم والقواميس، فضلاً عن الأبحاث والدراسات الاجتماعية و النفسية والتربوية، وعليه يمكن القول إنه لا يمكن استيعاب مفاهيم التنشئة التربوية في مبحث أو في مقال ، و ما سنذكره هنا لا يعني سوى قليل من كثير وغيض من فيض.ويلاحظ أنه لا يوجد تعريف جامع مانع لهذه العملية لأنها إحدى عمليات العلوم التي تتسم بالنسبية والتغير عبر الزمان والمكان، فهي أصلاً عملية تتعلق بالإنسان في سياقه التربوي، وفيما يلي نماذج لبعض مفاهيم التنشئة : يرى بعض علماء النفس، أن التنشئة : تعني عملية إكساب الفرد الخصائص الأساسية للمجتمع الذي يعيش فيه ممثله في القيم والاتجاهات والأعراف السائدة في مجتمعه ومعايير السلوك الاجتماعي المرغوب في هذا المجتمع، وهي عملية مستمرة عبر زمن متصل تبدأ من اللحظات الأولى من حياة الفرد إلى وفاته.(٢). وهي عملية مستمرة تبدأ من الميلاد داخل الأسرة وتستمر في المدرسة وتتأثر بجماعات الرفاق .(٣) ولاشك أن دور الأسرة القائمة على رعاية أبنائها  كبير من خلال مجموعة من الأساليب يتشربها _الطفل_ ويتأثر بها والتي تهدف تلك العملية إلى تربيته  ومساعدته على أن ينمو نمواً طبيعياً ليتكيف مع المجتمع عند اكتسابه السلوك الإنساني الذي يعزز من قيمته والذي يوافق  المجتمع. فبعملية  التنشئة تساهم الأسرة القدوة إلى تغيير السلوكيات الغير مناسبة لأبنائها إلى سلوكيات أخلاقية اجتماعية متزنة ،فيتعلمون أخلاقيات المجتمع  ويتعايشون فيه، ويبتعدون عن الانحرافات الخُلُقِيَّة.وهنا يكمن أهمية دور الأسرة المنوط بها في تربية أبنائها  ومتابعة أحوالهم و غرس القيم النبيلة والأخلاق الكريمة في نفوسهم والمحافظة على كرامتهم كما أمرها الإسلام.لذلك يبدو جلياً تبيين أهمية الدور التربوي

والتوجيهي و الرقابي لها- الأسرة- وتعزيز مكانتها الحقيقية و السعي الثقافي والحقوقي لإيصالها  إلى المرتبة المنشودة على الصعيدين الاجتماعي والثقافي، فهي مربيّة للإنسان، وإن سعادة وشقاء الدول رهن وجود الأسرة، فبتربيتها الصحيحة تصنع الانسان، وبتربيتها الصحيحة تحيي المجتمع.

١-سورة الإسراء، الآية(٧٠).

٢- علي حسين غاصب ،المفاهيم التربوية عند الفخر الرازي،ص٩٥.

٣-جياد، صابر، الأبعاد التربوية في القرآن، ص١١١.


وواجب علينا أن نذكر في بحثنا هذا العوامل المؤثرة في التربية الإسلامية في العصر النبوي والتي ساعدت كثيراً في ترشيد صحابة رسول الله-ص- فهناك مسلمات في التربية أن أي عمل يؤثر في آدائه طبيعة العمل نفسه، وخصائص الذين سوف يقومون بهذا العمل، ثم الظروف المحيطة بالعمل نفسه وبمن يقومون به، و ذلك بعد توفيق الله سبحانه وتعالى.

فإذا كان هو إمكانية إشباع الدافع، فالإنسان في نفسه دافع، قد يدفعه إلى الخير وقد يدفعه إلى الشر، وإمكانية الحصول على الخير ميسر، وهنا يكون الإيمان ب الله وبرسوله الله و باليوم الآخر وما يتصل بهذا الإيمان أفضل الحوافز التي تؤدي إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، ولذلك نجد التربية الإسلامية تخاطب الناس جميعاً في الكثير من الآيات، يقول الله تعالى ( يا أيها الناس …. وهذا النداء يشمل جميع بني آدم لكي يسلموا ويحصلوا على الخير الميسر طريقه لمن يشاء وما تَشَاءُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللهُ ﴾ (٤). ولهذا نجد التربية الإسلامية تراعي الحوافز في عملية التعلم لأنها تمثل تحقيق أهداف دوافعهم، حيث إن الدافع كما أفهمه من خلال خبرتي التربوية : هو مثير داخلي يحرك سلوك الفرد ويوجهه لتحقيق هدف معين، بينما الحافز حسب ما أفهمه تربوياً هو إمكانية إشباع الدافع وتحقيق ما يهدف إليه الإنسان، ولكن كل ذلك في إطار العقيدة والتربية الصحيحة ولعل الأفكار الآتية تكشف لنا بعض أسرار نجاح التربية الإسلامية النبوية: وهي:

١- تكامل الأصول الإسلامية وميادينها في المجتمع الإسلامي هذا التكامل يبنى عليه الفروع لكي تستقيم حياة المسلمين على عقيدة قوية تستفيد من خبرة ماضية ومعاصرة، تفيد الحياة الدنيا وتكون في إطار الشريعة الإسلامية متدرجة في الإصلاح الداخلي والعلاقات الخارجية، و كل ذلك في إطار التعليم الإسلامي و بحكمة وتطهير النفوس مع الاستفادة من اجتهادات العقل الإنساني ما دام في إطار مصادر التربية الإسلامية.

وقد أورد الشيخ الكتاني عن الحافظ ابن عبد البر عن قول علي كرم الله وجهه: ( قيمة كل امرئ ما يحسنه)،(٥). فقال معنى ذلك أي أنه لم يسبقه إليه أحد ثم قال: و أي كلمة أحض على طلب العلم منها، ثم قال رحمه الله: وما كان أحض بالعلم و بالعلماء و المتعلمين من قول الجاحظ : « ما ترك الأول للآخر شيئاً»أي أنه حاول تغطية العمل من جوانبه جميعها ومن هنا ندرك أن من أساليب التربية عن النبي الشورى وقد أمره الله بها في أشد المواقف وأصعبها حرجاً في أعقاب غزوة أصاب الكفار فيها المسلمين مالم يصيبوه منهم قبلها ولا بعدها في عهده عليه الصلاة والسلام وهي غزوة أحد، قال تعالى فبما رحمة من الله لنت لهمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر(٦).لاهذا هو المعلم رسول الله لين الجانب رحيم، رقيق القلب، حليم، كثير العفو، لا يغضب من أجل نفسه بل يسامح ويستغفر للمسئ، ما أعظمها من صفات، وأعظم بصاحبها، ومع هذا كله يشاور أصحابه في الأمر، وهو المؤيد من الله، والوحي ينزل عليه و من هنا لاغنى لأي مرب من الاستفادة بقدر الإمكان من أهل الخبرة و أولي الألباب وأهل الرأي السليم، ليتم التكامل بين المسلمين وتنشيط عقولهم، وفي الآية إشارة إلى أهمية الصحابة وأنهم من أولي الألباب، وأيضاً مدى منزلتهم عند الله تعالى، حيث أمر خير خلقه بمشاورتهم، واحترام رأيهم وليكون ذلك سنة لمن بعدهم، و كل هذا يستنتج منه اتقان العمل، والنظر إليه من جوانبه جميعها بحسب الاستطاعة و ما يمكن الوصول إليه والقيام بعمله(٧).

٢- الربط بين الهدف والسلوك: القصد من التربية الإسلامية، معرفة الله وتوحيده، ثم كيفية آداء عبادته، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و التحلى بالآداب الفاضلة و الأخلاق الحميدة مع وضع الأنظمة في المعاملات، و التي تعطي كل إنسان حقه مع إيقاف المعتدي عند حده، كي لا يختل النظام الاجتماعي، وهذه الأمور السابقة هي التي من أجلها شرعت الشرائع السماوية (٨).

فسلوك النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه هو يمثل التطبيق السليم للأمور السابقة وكلها من أجل ابتغاء مرضاة الله ولأجل نشر الإسلام ومحاربة أعدائه، فكان الصحابة يدركون الهدف الذي يجب أن يعمل سلوكهم على تحقيقه، لذلك نجد أن التربية الإسلامية تلزم المعلم أن يحدد أهدافه، بحيث يدركها المتعلمون على حسب مستوياتهم . وكلما كانت الأهداف واضحة ومحددة كلما تيسر انجاز العمل وتحصيل التعلم بفضل الله تعالى وبذلك يكون المعلم أكثر عطاء، ويكون المتعلم أكثر تحصيلاً. وجميع هذه الأمور ساعدت على نضجهم في جميع مجالات الحياة، مما أدى هذا بدوره إلى ظهور التربية الإسلامية ونجاحها، ومن هنا نجد أن التربية الإسلامية تراعي عملية النضج عند المتعلم ليحصل التعلم وهو ما تدعو إليه التربية الآن، حيث لابد من مراعاة المستوى العلمي عند المتعلم، فلا يكلف الدارس فوق طاقته.

٣ – الوراثة: لاشك أن رسول الله الله ومعظم رواد التربية الإسلامية هم من نسل إبراهيم -عليه السلام- وهو من الشام، وهم من أولاد هاجر من مصر وقد تمت المصاهرة بين ذرية إبراهيم عليه السلام وقبيلة جرهم من اليمن * كما ذكرت هذه الدراسة سابقاً، لذا فقد اختلط الدم (٩). الشامي بالمصري وباليمني في الجزيرة العربية وأنجب بإرادة الله أولئك القادة الأذكياء، والعامل الوراثي له دور كبير في التعلم والتحصيل والإصلاح، ولذلك تدعو التربية الإسلامية إلى حسن الاختيار للزوج والزوجة ويكون ذلك على أساس الدين والتقوى و الأخلاق الحميدة و هذا الأساس أكثر بقاء واستمراراً حسناً في الدنيا والآخرة.

٤ – المثيرات: لقى الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه أشد العذاب من مشركي سكان مكة المكرمة، بالإضافة إلى تكبر وزهو أصحاب(١٠). حيث تزوج سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام من قبيلة جرهم من اليمن، عندما هاجرت هذه القبيلة إلى مكة المكرمة، والناس كلهم أولاد آدم – عليه السلام -وأكرمهم عند الله تعالى أتقاهم. ولذلك نجد أن التربية الإسلامية لا تهمل المثيرات بشتى أنواعها وذلك لتهيئة ذهن المتعلم وجعله في حالة من الاستعداد، ويكون التعلم أفضل ما يكون إذا كان المتعلم في حالة استعداد قوي مع وجود نمط من المثيرات القوية المناسبة وهذا حسب تصوري وفهمي لدراسة بعض المبادئ التي تدعو إليها نظريات التعلم، لذا فقد راعت التربية الإسلامية أهمية الاستعداد والمثيرات المناسبة لكي يحصل التعلم ولكي

تتحقق الأهداف المرجوة من التربية.

٥- الحوافز: عرف المسلمون جزاء من يسلم الله تعالى، وجزاء من يكفر به عز وجل، قال تعالى: ومن كفر فعليه كفره ومن عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنفُسِهِم يمهدون(١١). [ الروم ] فنجد الحافز في التربية الإسلامية واضحاً، فإذا كان هو إمكانية إشباع الدافع، فالإنسان في نفسه دافع، قد يدفعه إلى الخير وقد يدفعه إلى الشر، وإمكانية الحصول على الخير ميسر، وهنا يكون الإيمان بالله وبرسوله الله وباليوم الآخر وما يتصل بهذا الإيمان أفضل الحوافز التي تؤدي إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، و لذلك نجد التربية الإسلامية تخاطب الناس جميعاً في الكثير من الآيات، يقول الله تعالى:

( يا أيها الناس …. وهذا النداء يشمل جميع بني آدم لكي يسلموا ويحصلوا على الخير الميسر طريقه لمن يشاء{ وما تَشَاءُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللهُ ﴾(١٢)،ولهذا نجد التربية الإسلامية تراعي الحوافز في عملية التعلم لأنها تمثل تحقيق أهداف دوافعهم، حيث إن الدافع كما أفهمه من خلال خبرتي التربوية : هو مثير داخلي يحرك سلوك الفرد ويوجهه لتحقيق هدف معين، بينما الحافز حسب ما أفهمه تربوياً هو إمكانية إشباع الدافع وتحقيق ما يهدف إليه الإنسان، ولكن كل ذلك في إطار العقيدة و التربية الصحيحة.

٤_سورة الإنسان، الآية(٣٠).

٥- الشريف الرضي،نهج البلاغة، ج٣، ص٥٠.

٦-سورة آل عمران ، الآية(١٥٩).

٧-عبد الحي الكتاني : نظام الحكومة النبوية، المسمى التراتيب الإدارية، ص ۷۸ – ۷۹

٨- محمد سليم العواء دستور المدينة والشورى النبوية، ص ١٤٣.

٩-علي أحمد الجرجاوي، حكمة التشريع وفلسفته،ج١، ص٧.

١٠-المصد السابق.ص١٠.

١١-سورة الروم، الآية(٤٤).

١٢-سورة آل عمران، الآية(٣٠).


كما أوصى النبي محمد-صلى الله عليه وآله_وصيه و باب مدينة علمه أمير المؤمنين -عليه السلام- بالأمور التالية:

١ – أوصاه بالصدق الذي هو من أفضل الصفات وأميزها، ونهاه عن الكذب الذي هو من أرذل الصفات.

٢- حذره من الخيانة لأي إنسان، صديقاً أو عدواً، فإنها من مساوئ الصفات

٣- أوصاه بالخوف من الله تعالى، فإن من خافه لا يقترف أي مأثم من ماثم الحياة.

٤ – أكد نبي الله-ص- على حماية الدين وصيانته، والذب عنه بجميع الوسائل؛ لأنه جوهرة الحياة الرفيعة.

٥ – أوصى النبي له بالتحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، والاجتناب عن مساوئ

الأخلاق. وهذا بند آخر من هذه الوصية:

« يا عَلِيُّ ، أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ – تَعالى – ثَلاثُ خِصَالٍ : مَنْ أَتَى اللَّهَ بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْه ِ فَهُوَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ ، وَمَنْ وَرِعَ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ، وَمَنْ قَنِعَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ »(١٣).

هذه الخصال الثلاث تقرب الإنسان إلى ربه، وتجعله في مصاف أوليائه، وتبعده عن مساوئ الحياة. و من بنود هذه الوصية قوله-ص-: « يا عَلِيُّ ، ثَلاتٌ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلاقِ : تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ »(١٤). إن من يتصف بهذه الصفات الرفيعة فقد بلغ ذروة الكمال والفضل، ومن  القصايا التربوية . يا عَلِيُّ ، ثَلاتٌ مُنْجِياتٌ : تَكُفُ لِسَانَكَ ، وَتَبْكِي عَلَى خَطِيئَتِكَ ، وَيَسَعُكَ بيْتُكَ ». إن من أخذ بهذه الوصية فقد نجا من شر الناس ، وسلم من موبقاتهم وآثامهم … وهذا بند آخر من الوصية: يا عَلِيُّ ، سَيِّدُ الْأَعْمَالِ ثَلاثُ خِصَالٍ : إِنْصَافُكَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ ، وَمُساواةُ الْأَخِ فِي اللَّهِ ، وَذِكْرُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حالٍ».(١٥).

١٣-ابن شعب الحراني، تحف العقول، ص٧.

١٤-المجلسي، بحار الأنوار، ج٧٤، ص٦٢.

١٥-المصدر السابق، ج٧٢، ص٢٧.


إن هذه الخصال الرفيعة من أفضل الصفات التي يسمو بها الإنسان و يتميز على غيره، إن المستفاد من العبارات المذكورة، هو أهمية وضرورة التزام الآباء بالنسبة لتربية الافراد، والذين باستطاعتهم أن بكونوا مصدر إصلاحات أو فساد في المجتمعات، فالأباء مسند ثبات المجتمع والقيم الانسانية الرفيعة. “ولو انتزعت التربية الإنسانية منهم فلا شك إنهم سيقعون في هاوية الخسران و الانحطاط. وما يؤول إليه ذلك من عواقب!. وإن عدم وجود العائلة أو فصل الأطفال عن الوالدين فهو انهيار وانحطاط للمجتمعات لأنه يبعث على بروز عُقَد ومفاسد.

فمن أشرف الأعمال في العالم ( تربية الطفل)، وتقديم إنسان إلى المجتمع. وهو ما كان وراء بعثة الأنبياء على مرّ التاريخ. فعلى مرّ التاريخ ومنذ آدم إلى خاتم الأنبياء، جاء الأنبياء لبناء الإنسان، والحفاظ على هوية الإنسان وكرامته، وهو سبب لإرشاد الشباب وتعزيز دورهم في المجتمع، و لذلك تكفل  الإسلام  بتربية الإنسان في مختلف الأبعاد، المادية والسلوكية والمعنوية وغيرها.

الفصل الثاني:

أهمية إرشاد الشباب في ظل التحديات الخارجية و المتغيرات الأخلاقية: لاشك أن حقيقة الهوية الإنسانية ومكانتها في الثقافة الغربية واضحة لنا و يعلم المطلعون على الآداب الغربية والقصص والأشعار والروايات والمسرحيات الأوروبية.

أن هذه الثقافة  منذ القرون الوسطى وما سبقها إلى أواخر القرن الحالي كانت تنظر إلى تلك الهوية على أساس الفوارق والطبقية والاستعباد  وكلّ ادّعاء يخالف هذه النظرة فهو ادعاء باطل.(١٦). وإن نظرنا إلى المسرحيات الشهيرة للكاتب الانجليزي شكسبير سنرى بأية لغة وبأي نفس وبأية لهجة يتحدث هو وسائر أدباء أوروبا عن ذلك .والرجل الثري  في الآداب الأوروبية هو السيد والمالك لناصية الأمور والحاكم المستبد، وما برح بعض نماذج تلك الثقافة وآثارها ماثلاً حتى يومنا هذا.

لأن نظرة العالم الغربي تعتمد على النظرية المادية، والنظرة الميكانيكية للإنسان، حيث تنظر إلى الإنسان كآلة وبدن وتغفل عن البعد المعنوي والروحي له، و تطالب بمنفعته الفردية، وتنادي بالاعتماد على التجربة وكسب الأرباح والتحرر والابتعاد عن أصالة الفرد.

 وأما التربية عند الغربيين فلازال العمل عند الغربيين يعكس ثقافتهم القديمة القائلة بالتفكك الأسري تحت شعار الحرية الشخصية. وأما التربية في الفكر الإسلامي فنحن  لا نستطيع من خلال بحثنا هذا سرد النقاط المحورية للتنشئة ومكانتها في الإسلام وفق النظرية الاسلامية بطريقة منطقية ومنصفة لأن ذلك يحتاج لمجلدات ومناهج كثيرة.

تعد قضية التربية في الفكر الإسلامي هي القضية العالمية التي تكلم عنها العلماء والمراجع العظماء لأهمية المنهجية ويعد البحث في تلك القضية من المباحث الأولية التي تقع على عاتقنا والتي تعتبر من ضمن مسؤولياتنا. إضافة لمسؤولية الأبوين في زرع الثقة في الأبناء للحفاظ على كرامتهم الإنسانية التي  أعزهم الله تعالى بها، ومعرفة الغاية من وجودهم في الحياة ومعرفة ماهو دورهم في المجتمع. ينظر الإسلام إلى الإنسان من زاوية الكرامة، فالإنسان قبل أن يتصف بالأنوثة والذكورة فإنه متصف بالإنسانية، وفي الإنسانية لا وجود للمرأة والرجل، فالجميع سواسية، و لكل منهما دور في استمرار الخلقة وفي تكامل الإنسان ورقيه وفي حركة التاريخ. ومن هذه الناحية كانت أهمية الأسرة وأهمية التربية الأسرية والتنشئة الأسرية في إرشاد الشباب وتوجيههم.

وإنّ صلاحَ مجتمعٍ ما لايكون إلا من خلال الحفاظ على أبناء هذا المجتمع , ونلاحظ في الأونة الأخيرة أن أسباب الخضوع للتحديات الخارجية والرّفض والتمرد من الشباب والتي ترجع إلى أسباب أهمّها:

أولاً -عوامل أُسرية:

مثل بعض العوامل المساعدة لزيادة توتّرات الشباب مع أُسَرهم منها ما يستشعره الشباب من قصور الإمكانات المادّية للأسرة، وعجزها عن إشباع حاجات تُعدّ في نظر الشباب ضرورية وأساسية، بينما تُعدّ في نظر الآباء ترفيهاً(١٦).

وينشط تأثير هذا العامِل بصفة خاصة في المواقف الأسرية التي تأثّرت وبشكل واضح بمؤثّرات العيش والإقامة في مجتمع حضري بما يتيحُه للشباب من فُرص أوسع للاحتكاك بمستويات اقتصادية قد تفوق ما هو مُتاح لأسرته، وبما يؤكّده من رموز مادّية للمكانة الاجتماعية، وما يوفّره من وسائل أكثر تكلُفة لقضاء وقت الفراغ، مما قد يدفع بالبعض من الشباب إلى استجابات انحرافية لإشباع هذه المطالب سواء بطريقة فردية بحتَة أو من خلال الانضمام لجماعة أقران تُشجّعه على ذلك.

ثانياً- عوامل تعليمية:

حيث تمثل علاقة الشباب بالمؤسسات التعليمية أول مواجهة حقيقية له مع المجتمع الكببر خارج نطاق عالم الأسرة المحدود، وأولى بدايات صراعاته في عالم الكبار، ففي بعض البلاد هناك عدد من الجوانب السّلبية التي يراها الشباب كمُعوقات وظيفية للنظام التّعليمي، أهمّها ارتفاع نفقات التعليم، من حيث نفقاته الإضافية أو غير المباشرة إلى الحدّ الذي فرضت فيه عِبئاً ثقيلاً يقع على كاهل الأسرة، و يحول دون تمتُّع فئات ليست بقليلة من الشباب بمزايا الاستفادة الحقيقية من الفُرص التّعليمية، بل ربما أضافت مصدراً جديداً لمزيد من التوترات الأسرية بين الشاب وأسرته، ويشكو فيما يشكو من عدم ملائمة المقرّرات والمناهج الدّراسية لاحتياجات المجتمع، مما ينعكس على مدى ما يُوفّره التعليم من فُرص للكسب والعمل، الأمر الذي ينعكس بالضرورة على تصور الشباب لأهمية العملية التعليمية ككل ومدى ما يستشعره من قيمة للتعليم كوسيلة لتحقيق مستويات طموحهم وتطلُّعهم إلى تحقيق (نقلة اجتماعية)(١٧).ولقد كان غياب الاهتمام بمشكلات الشباب واحتياجاتهم من أهمّ  الجوانب السلبية للنظام التعليمي إلى جانب عدم تكثيف الفعاليات والأندية الثقافية التي تعزز قيمة  انتماء الفرد لمجتمعه ودوره في رفع مستواه الحضاري و العلمي والثقافي، وتطوير مناهجه وأساليب وطرُق تقويم الطّلاب على استثارة روح التّجديد والابتكار في المؤسسات التربوية و التعليمية، و تحمُّل المسؤولية لدى الشباب. حتى بات هناك فئات من الطلاب ترى في بعض الأنظمة التعليمية في مجتمعهم ما يصادر حرّياتهم لنقده ويطالبهم بعدم قبول الواقع المحيط بهم والهجرة إلى كل من يُقدّم لهم دون مناقشة أو إقناع، فضلا ً عن ابتعادهم عن الضوابط الأخلاقية.

ثالثاً – مشكلات الحياة:

إن انخراط الشباب في الحياة العملية نتاج لازم لخبراتهم وتجاربهم في عالم الأسرة والمدرسة والجامعة، وإن ما يستشعرونه من نجاح أو توتّرات فيها مُقدّر بمدى ما تعده خبراتهم السابقة لهذا الدّور، ولاشك أنهم سيُواجهون  بسلسلة مُتّصلة الحلقات من المشكلات في المراحل الأولى من بداية حَبوهم إلى عالم الكبار، ولقد كانت مشكلات مثل ارتفاع تكاليف المعيشة في بعض الدّول، وعدم وجود فُرص مُلائمة للكسب والعمل أمام الشباب، وانخفاض مستوى الأجور والرواتب، إلى جانب الصعوبات التي تواجه قُدرتهم على التّوافُق داخل مجال العمل من مشكلات تواجههم كفئة مُثقلة بأعباء وحداثة العهد بدخول مُعترك الحياة العملية، لعجزهم عن إشباع حاجات أساسية حتى وإن كانت مُستقبلية أو غير مُلحّة في الوقت الرّاهن.

رابعاً-  الواقع الاجتماعي:

حيث يُعدّ الشعور بالاغتراب إحدى المشكلات الكبرى التي يواجهها الشباب؛ لأن الشباب يشعرون أن هناك انفصاماً بين القول و العمل في كثير مما يجري في هذا الواقع المحيط بهم ويشعرون في الوقت نفسه أن دورهم يكاد يكون محدوداً في صُنع حاضر هذا المجتمع أو مستقبله وهذا الاغتراب يدفع ببعض الشباب إلى العُزلة السّلبية ،(١٨). كما يدفع ببعضهم إلى التّمرُد ومناهضة المجتمع. لذلك يعد الأسلوب الصحيح في ترشيد الشباب يُعتبر عملية إنقاذ وغسل للدّماغ من بعض الأفكار الفاسدة التي تأثّر بها بعض الشباب وعكّرت صفو حياتهم، متكالبة مع ظواهر الانحراف وفي طليعتها الغزو الفكري والتّلوث الثقافي والتطرف الذي وجد في الشباب الأرضية الخِصبة، وقد حطّم في نفوسهم الفضيلة والأخلاق الإسلامية السامية السّمحة(١٩). ولذلك فإن خير علاج وأكبر حماية لمعشر الشباب هو الرجوع إلى الإسلام الحقّ والتّمسُك بتعاليمه وشريعته الغرّاء الخالدة، والتّحلّي بالإيمان الصحيح .ففي عصر العلم والتكنولوجيا هذا لا معنى للحياة بدون إيمان صحيح وعقيدة سليمة. فبذلك وحده يتمّ إغلاق أبواب الشرّ على كل الآفات والأمراض الاجتماعية، بما فيها أمراض العصر.

١٦- محمد عطايا، الحضارة والغرب، ج٢، ص٢٠٨.
١٧-أمل عبد الرحمن التربية الأسرية المستنبطة من القرآن الكريم وتطبيقاتها التربوية، ص١٩.
١٨-عبد الحميد، شاكر، التفصيل التربوي، المجلس الوطني للنشر والثقافة والآداب،
الكويت، ط١، ٢٠٠١م.
١٩-مرتضى مطهري، التربية و التعليم في الإسلام، ص ١٦٥.


خاتمة المطاف:

إن نقطة البداية في المنهج الإسلامي للتنشئة التربوية الأسرية كما جاء في القرآن الكريم، هي ضرورة اقتران العقيدة الثابتة، بالشريعة، أي بين القول والعمل، وتوجيه الإنسان من أجل بناء السلوك القويم، وِفق توجيهات العقيدة، وتحقيقاً لصالح الفرد والجماعة، هذا بالإضافة إلى الآداب الإسلامية، التي يتضمنها القرآن الكريم، من المأكل، والملبس، والتخاطُب، والجلوس، وصِلة الرّحم، وتوقير الكبير… والقرآن الكريم يخاطب كل الناس في كل زمان ومكان أن هدف التنشئة والتربية، وتحديد القِيَم والمعايير في سلوكه الإنسان ، ومن ذلك قوله تعالى: وإذ قال لقمان لابنه وهو يعِظه يا بُنيّ لا تُشرك بالله، إن الشرك لظلمٌ عظيم”.(٢٠).

وقوله: “يابُنيّ إنها إن تكُ مثقال حبّة من خردلٍ فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأتِ بها الله، إن الله لطيف خبير. يا بُني أقِم الصلاة، و أمر بالمعروف وانهَى عن المُنكر، واصبر على ما أصابك، إن ذلك من عزم الأمور. ولا تُصعر خدّك للناس، ولا تمشِ في الأرض مرَحاً، إن الله لا يُحبّ كل مختال فخور. واقصِد في مَشيِك، واغضُض من صوتك، إن أنكرَ الأصواتِ لصوتُ الحمير”(٢١).

ففي هذه الآيات الكريمات، وجّه القرآن الكريم أنظار الآباء والمربّين إلى مباديء تربوية أساسية أصيلة، يجب الأخذ بها عند تنشئة الفرد تنشئة إسلامية سليمة، أهمّها: تحقيق التوحيد لله تعالى، والخوف من الله، ومراقبته دائماً، ومُراعاة الأدب مع الوالدين، ورعايتهما في كل ما يرضي الله تعالى، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر ، وإقامة الصلاة، لأنها عماد الدّين، ومظهر السلوك الإسلامي، والصّبر على المكاره، والتواضُع في المعاملات، والأدَب في التّخاطُب، والاعتزاز بإنسانية الفرد وكرامته لأن تربية الأولاد مسؤولية هامّة وشاقة، فإن قلب الأم والأب مفطور على محبة الأولاد ومُتأصّل بالمشاعر النفسية والعواطف الأبوية لحمايتهم، والشفقة عليهم، والاهتمام بأمرهم، والقيام على تربيتهم وتعليمهم. لقد أعطت التربية النبوية العطرة و من خلال المدرسة التربوية التي أنشأت أبنائها حتى و ضمن الظرف الذي عاشته أعطت قيماً جوهرية ومفادها أن المتغيرات الحياتية لاتعيق تنمية الإنسان لذاته ولأفراد أسرته  ولمجتمعه، ولاتكون ضد الحفاظ على كرامته الإنسانية. وإن المبادئ  الأخلاقية و  الأسس التربوية هي كفيلة لصناعة المجتمعات الحضارية ضمن الهوية الإسلامية الحقيقية من خلال  بذل الجُهد، فنشوء الأمم يحتاج إلى العمل المخلص الجماعي

. قال تعالى:  “إن الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم(٢٢).

وهكذا  ستنهض المجتمعات بفلسفة التغير،مع توافُر إخلاص النية في العمل. الأسرة يجب أن تكون مدرسة  لتعليم أحكام الإسلام وتهذيب أخلاق الأبناء، وعلينا أن نقدم أبناء صالحين للمجتمع ولايزال حضن الأسرة أفضل مدرسة للأبناء لينالوا حقوقهم الإنسانية والحقيقية، من أجل ازدهار طاقاتهم ليبلغوا نضجهم الحقيقي و الإنساني ؛ وليحافظوا في نهاية المطاف على كمالهم الإنساني،  وكرامتهم الإسلامية فيتخذون في المجتمع صورتهم الإنسانية الكاملة ويصبحوا أناس قادرين على المساهمة في تقدم الإنسانية وتقدم أسرهم و مجتمعهم ، ويعملون في حدود إمكاناتهم، لتحويل العالم إلى صرح متين قادر على صد الهجمات التي تنال من كرامتهم، لذلك علينا الحفاظ على هذه الأمانة الغالية وهم الأبناء الذين استودعهم الله تعالى لدينا لنحسن تربيتهم ونقدم لهم العون بكل ما أوتينا من قوة، فهم بناة المجتمع التربوي وهم دعامة الدين الإسلامي الحنيف.

٢٠-سورة لقمان، الآية (١٣).
٢١-سورة لقمان، الآيات(١٧-١٨-١٩).
٢٢-سورة الرعد،الآية(١١).


النتائج والتوصيات:

لاحظنا أن التنشئة الأسرية  تلعب دوراً بارزاً في التغييرات التي تتعرض لها المجتمعات ، وما من شك أن العلاقة التي تمثل هذا التغير هي علاقة طردية، أي أن مستوى التربية ونوعها يؤثران سلبياً أو إيجابياً في مستوى التغييرات الاجتماعية ونوعها ، فإن كانت التربية جيدة ومتقدمة في أطروحاتها و وسائلها وأدواتها وأهدافها و آلياتها ستحدث بلا شك تغييرات نوعية متقدمة في المجالات الصناعية والسياسية و الاقتصادية والتنموية والعلمية و المجالات كافة وعلى العكس من ذلك أذا كانت التربية رديئة ومتخلفة، لذلك فواقع أي مجتمع هو صورة معبرة عن واقع التربية، وإذا أردنا أن نعرف واقع المجتمعات فعلينا أن نفتش عن التربية فيها، حيث أن عوامل القوة والضعف في المجتمعات ما هي إلا نتاج لواقع الفروق التي نراها بين المجتمعات في تربيتها. وبما أن التربية الأسرية في الأساس تستهدف إعادة صياغة وتكوين الفرد في الاسرة من خلال تعزيز مفهوم الحفاظ على كرامته الإنسانية،  الذي بدوره يسهم في صياغة المجتمع وبنائه بالشكل الذي يرتضيه أبناء المجتمع، وبما يتفق مع أهدافه المرسومة التي يفترض أنها تحافظ على هويته وتمكنه من البقاء مجتمعاً متماسكاً وقوياً في وجه كل ما يمكن أن يوثر فيه . إذا التربية ذات قيمة في حياة المجتمعات لأنها تستهدف في الأساس  المحافظة على الهوية الإنسانية، ممثلة في اللغة والقيم الثقافة والدين والتاريخ المشترك،   وهذا يتطلب شكلاً مختلفاً من التنشئة السليمة التي يعول عليها الأحداث تغيرات قوية وجوهرية فلابد أن تكون مرنة قادرة على التجديد في ذاتها  ومكوناتها وفي بيئتها ومضمونها وأساليبها، وأن لا تقتصر على مرحلة دون أخرى فكلما استطاعت أن تعزز مفهوم الكرامة الإنسانية  لأفراد الأسرة كان ذلك قيمة مضافة تحدث أثرها في أرض واقع المجتمع وكلما استطاعت أن تحدث  أثرها الفاعل في واقع المجتمع.

لذلك عدت التنشئة الأسرية من الثوابت المتينة التي تحافظ على كرامة الإنسان، كان ولايزال واجباً على الآباء أن يعلموا أولادهم الأخلاق النّبيلة السّامية،  و تعزيز مبدأ وجودهم  على هذه البسيطة وهو الحفاظ على هويتهم الإنسانية وكرامتهم الإسلامية لأنّ الكرامة تاج على رؤوس الكُرماء، ومن افتقد كرامته وأعذر بنفسه إلى الدنيا عاش في دنياه ضائقاً مذموماً لا يحترمه الناس. فلا يجد ذاته التي يجد نفسه عصياً عنها.

فلذلك عندما ندمج السلوكيات الإيجابية ونزز القيم الأخلاقية دمجاً حياً في التنشئة الأسرية  فاعلاً لتفرز ثلاث نتائج باهرة:

الأولى : تعزيز مفهوم التربية الإنسانية لدى الشباب ولسهولة إرشادهم.

الثانية: اكتشاف القابليات و تنميتها.

الثالثة:استيعاب المتغيرات الحياتية.

المصادر والمراجع:


١-القرآن الكريم.
٢-الرضي، الشريف، نهج البلاغة، دار الكتاب اللبناني، ١٩٨٨م.
٣-ابن حزم، علي بن محمد ، الأخلاق والسير في مداواة النفوس، بيروت، دار
الآفاق الجديدة،١٩٧٨م.
٤-الجرجاوي، علي أحمد، حكمة التشريع وفلسفته، بغداد،ط٢، ١٩٩٠م.
٥-الحراني، ابن شعب، تحف العقول، بغداد،١٩٨٠م.
٧- العواء، محمد سليم، دستور المدينة والشورى النبوية، بيروت،١٩٩٠م
٨-الكتاني، عبد الحي،  نظام الحكومة النبوية، المسمى التراتيب الإدارية، مصر العربية،
١٩٨٨م.
٩-المجلسي، محمد باقر ، بحار الأنوار، أصفهان، ١٦٦٨م.
١٠-جياد، صابر، الأبعاد التربوية في القرآن، الجزائر، ٢٠١٠م.
١١-عبد الحميد، شاكر، التفصيل التربوي، المجلس الوطني للنشر والثقافة والآداب،
الكويت، ط١، ٢٠٠١م.
١٢- عبد الرحمن، أمل،  التربية الأسرية المستنبطة من القرآن الكريم وتطبيقاتها
التربوية،  كلية التربية جامعة  الأزهر، القاهرة،٢٠٠٣م
١٣-  عطايا، محمد الحضارة والغرب، القاهرة، ط١، ١٩٩٩م.
١٤-غاصب، علي حسين، المفاهيم التربوية عند الفخر الرازي، جامعة أم القرى،١٩٩٠م.
١٥-مطهري، مرتضى، التربية والتعليم في الإسلام، دار الهادي للطباعة النسخة العربية
، بيروت، ٢٠٠٩م.

اترك رد

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار