المقالات

” نايم يا شليف الصوف “

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»

بقلم : رياض الفرطوسي

المثل الشعبي العراقي “نايم يا شليف الصوف” يعبر عن قصة تقليدية تصوّر واقعاً لا يزال نابضاً في مجتمعنا، فهو مثل مأخوذ من التجربة الحياتية اليومية، يلخّص صرخةً من زوجة اكتشفت صباحاً أن لصوصاً قد سرقوا كل شيء بينما زوجها مستغرق في نومه العميق. هذا المشهد البسيط يكشف عن صدمة وغضب تجاه الإهمال والغفلة والكسل، ليتحول إلى تعبير مجازي عن حالة السبات العميق التي تسيطر على المجتمع حين يغيب عنه الوعي الجماعي، مما يسمح للصوص والمتسلطين بالتغلغل والسيطرة .

المجتمعات المغلقة ذات الازدواجية في القول والفعل تميل إلى تعزيز بيئة الفساد ، حيث ينمو اللصوص والمخادعون في كنف غفلتها، لأنها مجتمعات تميل إلى التستر على العيوب والجرائم الصامتة، بينما ترفض أو تخاف التصريح بحقيقتها. هذا الغياب عن المواجهة ورفض الاعتراف بالحقائق يولد فجوة تملؤها النفوس الضعيفة، حيث يستغلها الانتهازيون للنهب والفساد في ظل انعدام الوعي الفكري . هذه الظاهرة ليست جديدة؛ فقد كان اللصوص قديماً يمتلكون بعضاً من الشرف و”الأخلاق المهنية” إن صح التعبير، حيث كانوا يسرقون لسد حاجاتهم الملحة، وذلك بدافع الفقر والجوع، وليس عن شهوة للنهب.

اليوم، تحول هذا الدافع إلى رغبة في الانتقام من الماضي واستغلال ضعف الحاضر. لصوص اليوم لا يكتفون بسرقة الأفراد بل يسطون على شعب بأكمله، يستغلون وعيه النائم وسعيه البسيط للعيش، فالناس يسيرون ويعملون لكنهم مستغرقون في سبات فكري، وكأنهم يعيشون في خدر دائم؛ إنهم نائمون، ليس بأجسادهم ولكن بعقولهم، مما سمح لبعض “البعورة” – أو ضعاف النفوس – بأن يفرضوا سلطتهم ونفوذهم بثرواتهم وأموالهم التي جنوها بطرق غير مشروعة .

تتضح هذه الحالة بشكل أعمق حين نلاحظ أن السلطة اليوم باتت تجسيداً لأسوأ ما في العقلية السياسية، التي تحولت من فلسفة الحوكمة وخدمة الشعب إلى فلسفة التملك والنهب.

هذا العقل السياسي الرث لا يمتلك مشروعاً حقيقياً للتغيير أو الإصلاح؛ بل يعتمد على التمسك بالمنافع من خلال أدواته واذرعه المختلفة ليبقى الفساد والبطالة تجتاح المجتمع ككل .

لقد أصبحت حياتنا، منذ اكثر من عشرين عاماً وحتى الآن، وكأنها محاصرة في متاهة لا مخرج منها، حيث تتعاقب الأحداث وتتضاعف الأزمات في غياب رؤية مستقبلية.

فالدول الحديثة، التي تبني لمستقبل أبنائها، تسعى لتأسيس مراكز أبحاث لمراقبة ودراسة الظواهر والأزمات قبل تفاقمها، بينما نحن نعيش في بلد تآكلت مؤسساته بالفساد، وأصبح المسؤولون فيه منشغلين بالغنائم، وابتعدت العامة عن الثقافة والفكر لصالح التسلية الآنية، فأصبح الفنان الذي يسليهم أو يبكيهم أكثر أهمية من المثقف الذي قد ينير لهم الطريق .

إن هذا الانفصال الحاد بين النخب والشعب، وبين الفقر والحاجة، وبين الحاضر والمستقبل، يؤدي إلى تراكم متواصل للتناقضات الخطيرة. التوتر بين ما هو قائم وما يجب أن يكون، بين الجهل والوعي، بين الفساد والنزاهة، كلها أمور تجعل من المستحيل أن يستمر المجتمع في هذا الوضع دون انفجار محتمل، انفجار سيكون نتيجة طبيعية لما عانيناه من فساد وجشع وتجاهل للأزمات التي باتت اليوم واضحة وضوح الشمس .

قد تكون حكاية “شليف الصوف” تنبيهاً رمزياً ، تدق جرس الإنذار لمن ما زال لديه حسٌ بالمسؤولية بأن يفيق، وأن يتيقظ كي لا يسرق “لصوص الحاضر” ما تبقى من أمل ومستقبل .

اترك رد

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار