تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
في عالم مضطرب تسوده المصالح والقوة، لم تعد الحروب مجرد صراعات دموية، بل تحولت إلى أدوات تفاوض وسياسة مغلفة بشعارات براقة. أحد أكثر الأمثلة وضوحاً هو ما تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية وغربية عن نية بنيامين نتنياهو تقديم “هدية” للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في حال تسنمه منصبه الجديد كرئيس للولايات المتحدة الامريكية .
وما هي هذه “الهدية”؟ إنها وقف الحرب على لبنان .
لكن خلف هذا المصطلح، تختبئ فكرة صادمة: أن تتحول آلام الشعوب ودماؤهم إلى أوراق ضغط وهدايا تُقدم في المناسبات السياسية. باتت الجثث والمآسي بمثابة هدايا تُصاغ لتزيين طاولات المفاوضات.
وما يثير الحزن والغضب أن الإعلام العربي بدوره يتبنى هذا الخطاب دون تمحيص أو نقد، وكأنه يُسلم بهذه المفاهيم المهينة التي تنتقص من قيمة الإنسان وكرامته .
الحرب، كما قال المؤرخ الالماني الجنرال كارل فون كلاوزفيتز، هي استمرار للسياسة بأدوات مختلفة. لكنها في سياق القوى الكبرى، ليست مجرد صراع لتحقيق أهداف محددة، بل أداة للاستعمار وإعادة تشكيل العالم وفقًا للمصالح.
الولايات المتحدة وحلفاؤها، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، خاضوا حروباً أدت إلى مقتل ملايين المدنيين في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. ورغم هذه الكوارث، ما زالت شعارات الحرية والديمقراطية تُستخدم كغطاء لتبرير هذه الجرائم .
ما يجعل هذا الواقع أكثر إيلاماً هو التواطؤ غير المباشر من شعوب العالم المستضعفة، التي تقبل أحيانًا بتلك الروايات الزائفة، وتغفل عن قراءة التاريخ وتحليل الحاضر بعمق. لقد بات واضحاً أن استخدام الحروب كأدوات للتفاوض والتسويات ليس جديداً .
الجديد هو محاولة تغليفها بمفاهيم تحمل معاني مهينة، كأن تُصور الإبادة أو وقفها وكأنها هدية تُمنح لمن يستحقه .
كيف يمكن أن يصبح إنهاء الحرب هدية؟ وكيف يُقبل أن تُباع سيادة الشعوب ودماؤها في بازار السياسات الدولية؟ هذه التساؤلات تكشف عن الوجه الحقيقي للنظام العالمي الذي يُفضل الحفاظ على مصالحه حتى لو كانت على حساب الملايين من البشر .
إن السلام الحقيقي لا يُصنع عبر هدايا سياسية أو تسويات تُبنى على أنقاض المجازر، بل عبر إحياء قيم العدالة والإنسانية. وما لم تنتفض الشعوب وتستعيد وعيها، ستبقى هذه اللعبة مستمرة، حيث يُنظر إلى معاناتنا كمجرد تفاصيل تُديرها قوى أكبر تبحث عن مكاسبها .نحتاج إلى خطاب جديد يتحدى هذه المفاهيم المضللة، ويعيد للإنسان قيمته التي لا تُقدر بأي ثمن. فقط حينها يمكن أن نوقف هذا المسلسل القاسي الذي يحوّل الإبادة إلى هدية والعنف إلى وسيلة لإرضاء الأقوياء .





