مركز النسيم للدراسات الاستراتيجية

دور الادعاء العام في الرقابة المالية والإدارية بموجب قانون رقم 49 لسنة2017

يلتزم ديوان الرقابة المالية بإخبار الادعاء العام لكل مخالفة مالية يكتشفها إذا ما شكلت جريمة. وبالرغم من أن المادة 16 من قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم 31 لسنة 2011 نصت على ( يلتزم الديوان بأخبار الادعاء العام أو هيئة النزاهة أو الجهات التحقيقية المختصة كل حسب اختصاصه، لكل مخالفة مالية يكتشفها إذا ما شكلت جريمة) إلا أن تراتبية النص جعلت من الادعاء العام في مقدمة الجهات التي يلتزم الديوان أخبارها، ويستشف منه تفعيل الدور القضائي للعمل الرقابي بواسطة الادعاء العام، وهو ما أكد عليه المشرع جلياً في قانون الادعاء العام الأخير رقم 49 لسنة 2017 والمنشور في جريدة الوقائع العراقية العدد4437 في 6 آذار 2017 حيث تناول دور الادعاء العام في الحفاظ على المال العام إضافة إلى الأهداف الأخرى التي يصبو إلى تحقيقها: وبهذا نصت الفقرة أولاً من المادة 2 من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة2017 (حماية نظام الدولة وأمنها والحرص على المصالح العليا للشعب و الحفاظ على أموال الدولة والقطاع العام ) ولا يمكن أن نتصور تحقيق هدف الحفاظ على المال العام إلا عن طريق الرقابة الفاعلة والمحاسبة من خلال الطرق التي رسمها القانون، ومن بينها ما نص عليه المشرع في المادة 5من قانون الادعاء العام رقم 49 (يتولى الادعاء العام المهام التالية: أولا : إقامة الدعوى بالحق العام وقضايا الفساد المالي والإداري ومتابعتها استنادا إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971) ويعد هذا التوجه في تفعيل دور الادعاء العام بالحفاظ على أموال ألدوله خطوة فاعلة تعضد الدور الرقابي للأجهزة الرقابية العليا وتضفي الطابع القضائي على أعمالها، حيث يعد جهاز الادعاء العام من مكونات السلطة القضائية الاتحادية، ونص المشرع على تمثيل الحق العام في كل دعوى تكون الدولة طرفاً فيه، ونص على أن يكون الادعاء العام خصما إلى جانب الممثل القانوني للدائرة المعنية كما نص على إن من بين مهام جهاز الادعاء العام الحضور أمام محاكم العمل ولجنة شؤون القضاة ولجنة شؤون الادعاء العام ومحاكم قضاء الموظفين ومحاكم القضاء الإداري ولجان الانضباط والكمارك ولجان التدقيق في ضريبة الدخل وأية هيئة أو لجنة أو مجلس ذي طابع قضائي جزائي. وهو توجه جديد ومحمود، سيما لم نجد نص في القوانين الأخرى، يشير الى ان الادعاء العام جزء من تشكيلات المحاكم او الهيئات انفة الذكر، فقد نصت المادة 5 أولا من قانون مجلس شورى الدولة رقم 17 لسنة 2013 التعديل الخامس لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 ( تشكل محكمة للقضاء الإداري ومحكمة لقضاء الموظفين برئاسة نائب الرئيس لشؤون القضاء الإداري أو مستشار وعضوين من المستشارين أو المستشارين المساعدين في المناطق الآتية…..) ولم ينص القانون على ان الادعاء العام جزء من تشكيل محكمة القضاء الإداري أو قضاء الموظفين، ومن خلال النص المتقدم تتضح إرادة المشرع في تفعيل الدور الرقابي لجهاز الادعاء العام في مجال الرقابة والقضاء بنوعيه، سواء القضاء الإداري إن كان محكمة قضاء الموظفين أو محكمة القضاء الإداري، أو قضاء عادي، سواء إن كان قضاء الجزاء أو القضاء المدني، وبهذا نصت الفقرة سادسا من المادة 5 (الحضور في الدعاوى المدنية التي تكون الدولة طرفا فيها أو متعلقة بحقوق مدنية ناشئة للدولة عن دعاوى جزائية. وبيان أقواله ومطالعاته ومراجعة طرق الطعن في القرارات والأحكام الصادرة في تلك الدعاوى ومتابعتها) .

وأصبح من صميم مهامه التحقيق في جرائم الفساد المالي والإداري وكافة الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات (11) لسنة 1969 (المعدل) طبقا لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل والقوانين الجزائية المكملة له على أن تحال الدعوى خلال 24 ساعة من تاريخ توقيف المتهم إلى قاضي التحقيق. وتم تخصيص دائرة في رئاسة الادعاء العام تسمى دائرة المدعي العام الإداري والمالي، نصت الفقرة الثالثة عشر من المادة 5 من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017( تستحدث دائرة في رئاسة الادعاء العام تسمى دائرة المدعي العام الإداري والمالي وقضايا المال العام يديرها مدعي عام لا تقل خدمته عن (15) سنة تتولى الإشراف على مكاتب الادعاء العام الإداري والمالي في دوائر الدولة) ونصت الفقرة الرابعة عشر من المادة 5 (يؤسس مكتب للادعاء العام المالي والإداري في الوزارات والهيئات المستقلة يمارس اختصاصه طبقا للفقرة الحادية عشر من هذه المادة)، ولما كان ديوان الرقابة المالية هيئة مستقلة فأن النص السابق يوضح شموله بتأسيس مكتب للإدعاء العام المالي والإداري، وبأنتظار اصدار التعليمات اللازمة لتنفيذ ها القانون ستوضح الية العمل لكون التشريع جديد ولم يتم تفعيله بشكل كامل.

مما تقدم يتضح إن المشرع حرص على أن يكون المفصل القضائي فاعلا، من خلال الأجهزة الرقابية واللجان بواسطة تفعيل دور الادعاء العام وجعله احد أركان تشكيل المحاكم والهيئات واللجان أينما حل الحق العام، وهذا التوجه لم يسبق للمشرع وان اخذ به حيث أشار إلى دور الادعاء العام إشارة عابرة في الحفاظ على المال العام بموجب نص المادة 1 الفقرة أولا من قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 ( حماية نظام الدولة ومؤسساتها والحرص على الديمقراطية الشعبية، الدفاع عن مكاسب الثورة والحفاظ على أموال الدولة والقطاع الاشتراكي).

كما أن المشرع فعل الدور الرقابي القضائي بواسطة جهاز الادعاء العام الذي أقتصر دور ديوان الرقابة المالية على إخباره حال اكتشاف المخالفات المالية، بموجب قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي، وبعد هذا التشريع يكون عمله مكون للحلقة الرقابية القضائية، وكنا نتمنى على المشرع أن يقلل من عدد الحلقات الرقابية، ويختزلها بجهاز واحد مختص يحيل نتائج تحقيقاته إلى القضاء للفصل فيها على أن تكون له صلاحيات فاعلة في تنفيذ الإجراءات الرقابية وتمكينه من إجراءات ، اللازمة كسحب يد الموظف ووضع الحجز على السجلات والأوراق والتفتيش وحتى إصدار عقوبة مالية في حال ارتكب او ساهم الموظف في ارتكاب إحدى المخالفات المالية بالإضافة إلى العقوبات الجزائية والمسلكية التي يمكن ان تقضي بها المراجع المختصة، وهذا ما اخذ به المشرع اللبناني ونص عليه بالمادة 60 من قانون ديوان المحاسبة اللبناني ومهامه الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 82 تاريخ 16 ايلول 1983 المعدل ناهيك عن أن ديوان المحاسبة هو محكمة إدارية تتولى القضاء المالي حسب نص المادة 1 من قانون ديوان المحاسبة اللبناني ومهامه. فتعدد الأجهزة الرقابية ((هيئة النزاهة، مكتب المفتش العام ، ديوان الرقابة المالية الاتحادي، جهاز الادعاء العام، إضافة للرقابة الداخلية للإدارة والدور الرقابي للسلطات التشريعية.. الخ))، يزيد من حلقات الرقابة وبالتالي يقلل من النتائج المرجوه للعمل الرقابي، لكون جرائم الفساد المالي والمخالفات المالية والإدارية يكون عامل المباغته والسرعة أساس في الكشف عنها والإطاحة بمرتكبيها.

بقلم: المحامي الدكتور محمد نعمه الغالبي : باحث في المركز دراسات قانونية

 

اترك رد

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار
خلال اجتماع ثلاثي بالدوحة .. طهران تدعو الأسد والمعارضة “المشروعة” إلى حوار سياسي ! من الشمال والشرق .. “هيئة تحرير الشام” تدخل حمص والجولاني: “دمشق تنتظركم” ! إسرائيل تصفه بتحول دراماتيكي يغير واقع الشرق الأوسط .. “نتانياهو” يستعد لانهيار كامل لنظام الأسد ! من “الدوحة” .. “لافروف” يؤكد دعوة موسكو لحوار بين الحكومة السورية والمعارضة الشرعية “لا الإرهابية” ! عبر “القائم” .. أكثر من 1500 عنصر منسحب من الجيش السوري يدخلون الأراضي العراقية ! بعد انسحاب قوات النظام .. الفصائل المسلحة أصبحت على بعد 10 كلم من “دمشق” ! “الأسد” سيكون جزءًا من الحل السياسي .. “واشنطن” تبلغ بغداد أنها مراقبة عن كثب لعدم تدخلها بالأزمة ال... محذرًا من التطورات السورية .. “حسين” يؤكد عدم سماح العراق بأن يكون جزءًا من الصراع ! تكذيبًا لـ”نيويورك تايمز” .. “بقائي” ينفي إخلاء السفارة الإيرانية في دمشق ! كاشفًا أطراف المؤامرة بسورية .. “العامري” يؤكد عدم صحة بقاء بغداد تترقب “الهجوم خير وسيلة للدفاع” !