تسلسل تاريخي لنشأة الحركات السلفية الجهادية، متى ظهرت، وأين كان نشوء أولاها، وكيف تطورت عبر العقود حتى الوقت الحاضر،
أعده الزميل مراد بطل الشيشاني.
السبعينيات: الثائرون
تعود جذور الحركات السلفية-الجهادية السنية إلى نهايات السبعينيات من القرن الماضي. وقد بدأت تحديداً في مصر، حين تشكلت مجموعات جهادية تهدف إلى قلب أنظمة الحكم في العالم العربي. وكان كتيب شهير معنون بـ”الفريضة الغائبة”، بمثابة الدليل لتلك الحركات.
ويقول مؤلفه المصري الجنسية، محمد عبد السلام فرج، في كتيبه، إن المسلمين “يلتزمون بكثير من الفرائض الدينية، لكنهم غيبوا فريضة أساسية وهي الجهاد”. ودعا فرج إلى أولوية قتال “العدو القريب” – ويقصد به الأنظمة الحاكمة في الدول ذات الغالبية المسلمة – على قتال الأعداء الخارجيين، أو “العدو البعيد”.
ومثل الجهاديون في تلك الحقبة نمطاً انقلابياً أكثر منه حركة ممتدة. وقد اغتالوا الرئيس المصري محمد أنور السادات عام 1981.
الثمانينيات: الجهاد الأفغاني
عندما بدأ جهاديو مصر، بعد اغتيال السادات بالهرب من البلاد بسبب الحملة الأمنية ضدهم، كانت أفغانستان الملاذ الأكثر أمنا، والتي بدأت تتحول إلى “ساحة جهادية”. وشجعت الولايات المتحدة، ودول الخليج العربي سفر الشبان المسلمين للقتال ضد الاتحاد السوفيتي، وضد الحكومة الشيوعية في كابول.
وقد شجعت فتاوى الشيخ الأردني-الفلسطيني عبد الله عزام، هؤلاء الشبان. فقد أفتى عبدالله عزام بأن الجهاد “فرض عين” على أي مسلم، إذا ما احتلت أي أراض مسلمة.
التسعينيات: القاعدة
عود جذور اسم القاعدة إلى مقال كتبه عبدالله عزام في إحدى المجلات التي كانت تصدر في أفغانستان باسم “القاعدة الصلبة”. وكان يدعو إلى تأسيس قاعدة للجهاديين في أفغانستان. وكان تطور القاعدة مختلفاً عما أراده عزام، الذي قتل في سيارة مفخخة عام 1989. ولم يتبن أحد مسؤولية اغتياله إلى الآن.
وبدأت فكرة الجهاد العالمي، تشكل عنواناً رئيسيا لنشاط القاعدة. وبعد النصر على القوات السوفيتية في افغانستان بدأ الجهاديون يعودون إلى أوطانهم.
وحاول البعض نقل “النصر على قوة عظمى” إلى بلدانهم، فاستهدفت السياحة في مصر، وشهدت ليبيا مواجهات أيضاً، ووصلت التفجيرات إلى السعودية، والكثير من الخلايا ضبطت في الأردن.
وشهدت الجزائر عقدا من العنف الدامي، وإن كان السبب يرتبط بمنع الإسلاميين من تسلم السلطة بعد فوزهم في الانتخابات في البلاد بداية التسعينيات. إلا أن العائدين من أفغانستان – الذين لم يشاركوا في الانتخابات أصلا – كانوا قد بدأوا في تشكيل مجموعات مسلحة منذ البداية.
وأراد آخرون ممن عادوا من أفغانستان إعادة التجربة في أماكن أخرى، فشاركوا في القتال في البوسنة، وطاجيكستان، والشيشان.
وتزاوجت الأفكار الجهادية-الانقلابية القادمة من مصر، مع الأفكار السلفية القادمة من دول الخليج في أفغانستان. وكان المنتج الجديد هو السلفية-الجهادية.
وترجم ذلك لاحقاً بتحالف بين المصري زعيم تنظيم القاعدة حاليا أيمن الظواهري، وزعيمه السابق، المليونير الداعم للجهاد الأفغاني أسامة بن لادن.
وأعلن عام 1998 عن تأسيس “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين”. وبدأ ما يعرف بـ”الجهاد العالمي” للقاعدة. وفي العام ذاته، فجر الجهاديون سفارتي الولايات المتحدة في كل من كينيا وتنزانيا. وبعد ثلاثة أعوام فجر الجهاديون المدمرة الأميركية كول على سواحل اليمن.
الألفية: تفجيرات سبتمبر
في صباح يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول هاجمت أربع طائرات مدنية، يقودها جهاديون، مباني أساسية في كل من نيويورك وواشنطن العاصمة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأودت التفجيرات بحياة نحو ثلاثة آلاف شخص. وقادت إلى حرب أفغانستان، وملاحقة المشتبه فيهم. وبدأ جهاديو القاعدة بأسلوب جديد عبر تجنيد شبان وتدريبهم، وإرسالهم إلى بلدانهم للقيام بتفجيرات، كما حدث في بالي-اندونيسيا (2002)، والدار ا لبيضاء (2003)، ومدريد (2004)، ولندن وعمان (2005).
كما شهدت السعودية مواجهات مع الجهاديين بين عامي 2003-2007. لكن الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 لعب دوراً أساسياً في ظهور جيل جديد من المسلحين يقودهم الأردني أبو مصعب الزرقاوي. وقدمت القاعدة في العراق، أو في بلاد الرافدين، نموذجاً أكثر راديكالية من الحركات “الجهادية”.
وبدأت تسجيلات الذبح تنتشر على الإنترنت، وكذلك العمليات الانتحارية، والخطف. وقد قتل الزرقاوي في قصف أمريكي جوي عام 2006.
فروع القاعدة
ومنذ عام 2008 بدأ تنظيم القاعدة ينسج تحالفات جديدة، فانتشرت فروع التنظيم في أكثر من مكان. ففي العراق، أصبح تنظيم القاعدة يعرف باسم “الدولة الإسلامية في العراق”.
وفي اليمن اتحد جهاديو البلاد مع نظرائهم من السعودية تحت مظلة “القاعدة في جزيرة العرب”.
وفي الجزائر، بايع جهاديوها القاعدة، وغيروا اسم التنظيم إلى “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ووسعوا نشاطهم لدول الساحل جنوب الصحراء.
كما أن “حركة الشباب المجاهدين” الصومالية، انضمت للقاعدة لاحقاً، بعد مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن، في عملية أمريكية خاصة عام 2011.
الربيع العربي وسوريا
وشكل مقتل بن لادن تحدياً للقاعدة، وللحركات الجهادية، لكن التحدي الأكبر كان الربيع العربي.
فحركات التظاهر في العالم العربي، التي أسقطت أنظمة قوية في المنطقة كتونس، ومصر، واليمن، همشت الإيديولوجية الجهادية.
لكن تصاعد العنف في أكثر من مكان في العالم العربي، خاصة في سوريا، أعاد الزخم لتلك الحركات. وتحولت سوريا إلى منطقة جاذبة للجهاديين من كل أنحاء العالم، وتعددت الحركات الجهادية المسلحة فيها.
وبرزت خلافات بين تلك الحركات، خاصة بين جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتنظيم “الدولة الإسلامية” التي باتت تسيطر على مساحات واسعة بين العراق وسوريا.
وقد احتل هذه التنظيم الذي غير اسمه عدة مرات، وجذوره تعود للقاعدة في بلاد الرافدين، ثاني أكبر المدن العراقية الموصل في يونيو/حزيران عام 2014.
ودفع هذا التوسع، وإعلان الخلافة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وصور الذبح لصحفيين، إلى إعلان ضربات جوية عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ودول حليفة.
الباحث . حسيني علي الاطرقجي