داعش.. التنظيم المحير، الشرس المبدئي، الكيان الإسلامي المعترف بالجودة والكفاءة، صاحب المؤلفات المفخخة، معادي الخصوم القريبة البعيدة في آن واحد، القاتل غير المهادن، من هنا ينطلق مقالنا.. غير المهادن، لقد عرف عن الجماعات الإسلامية المتشددة بأنها تعتمد المهادنة والتفاوض عند الحاجة إليه؛ بغية تحقيق المرونة التي تمد في عمرها إلى أبعد أجل ممكن.
لكن تنظيم داعش غير تلك الجماعات المتطرفة… فهو يعتقد أن “النصر” يتحقق في وقت واحد من خلال محاربة العدوين القريب والبعيد عكس ما يعتقد تنظيم القاعدة مثلا، أي أنه يقاتل في العراق وسوريا وليبيا وفلبين في ذات الوقت، ولا يولي أهمية للقتال في دولة على حساب دولة أخرى إن توفرت العناصر المقاتلة، بل يقاتل في أكثر من دولة أكانت عربية أو أقليمية أو عالمية حتى إسقاط جميع نظم تلك الدول وإقامة (الخلافة الإسلامية) التي يرنوا لها منذ ولادته المتشضية سيوفا وألغاما على أرض لم يتخللها لونا غير الأحمر. وهو بهذه الولادة وذلك النهج يختلف عن أقرانه الذين سعوا إلى السياسة وتقبل معظم مفرداتها مثل التفاوض وترتيب الأولويات وحوار الوطن والدين مثل ما حصل في سوريا حين فاوضت هيأة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقا” الحكومة السورية في إدلب وتحديدا في بلدتي “فوعا وكفريا” مبررة “الجبهة” أن الحصار قد طال أمده والمكاسب المستحصلة هي الأهم، وكذلك هو “داعش” ليس “أحرار الشام” التي تؤمن بالتفاوض من أجل الحفاظ على بقائها متوجة إيمانها بمفاوضات مع الدولة السورية عام ٢٠١٥م.
وربما يعترض أحدهم عن أن “داعش” فاوض في سوريا ولبنان أو حتى في دول أخرى، بيد أن الإعتراض في شكله محق عكس جوهره؛ حيث أن الحقيقة العميقة تؤكد أن أفرادا من التنظيم الإرهابي بسبب حصارهم في منطقة ما أو إجتهاد من قائد ميداني من الدرجة الرابعة فأكثر قبل بالتفاوض، ولم تكن المفاوضات بأمر من “شورى داعش” ويمكن إعتبار قول عديل أبو بكر البغدادي ومرافقه الشخصي (محمد علي ساجت) أن أبو بكر البغدادي لم يكن راضيا عن الإنسحابات في ميادين القتال وكان منزعجا جدا ويوعز تلك التصرفات إلى إختراقات أمنية في صفوف التنظيم وإجتهادات عسكرية خاطئة صبت في مصلحة القوات المهاجمة.
هذه “المثالية الإرهابية” التي أرهقت التنظيم وجعلت الأراضي التي إحتلها تتلاشى بمرور الزمان في جانب، هي في جانب آخر خدمته نفسيا؛ حيث زادت من حماسة مقاتليه على القتال المتواصل دون كلل أو ملل، وميزته عن الجماعات المتشددة الأخرى، وجعلت وسائل الإعلام تتجه نحوه أكثر فأكثر، التوجه الذي يخدمه في دعايته الإعلامية لإستقطاب العناصر الطامعة في تطبيق الفتاوى المتطرفة أو المحتاجة لتطبيق العنف المتكدس في داخلها، ومع ذلك فأن التفاوض مهما تعددت جوانبه الإيجابية والسلبية بالنسبة للتنظيم إلا أن كثافة المطاردة له من قبل الأجهزة الأمنية الدولية في ظل إنخفاض الخلافات السياسية في العالم آخر ثلاث سنوات وخاصة الدول التي ظهر فيها؛ ستقصر من عمره وربما يتفتت إلى مجموعات صغيرة جدا تنشط دينيا فقط لتحافظ على الهدف الذي تأسست من أجله، لكنها ستترك مجهولية عالية حول مصيرها في العشر سنوات المقبلة على الأقل دام أن “خاصية التفاوض” لم تفعل بعد عند تلك المجموعات المفتتة من داعش.
الباحث محمد جابر الرفاعي