يتداول مفهومان للحكم الرشيد احدهما يعبر عن الشكل السياسي لنظام الحكم واسلوب صنع السياسة بما ينصرف الى القواعد الاساسية المألوفة للديمقراطية كسيادة القانون والتعددية السياسية والاجتماعية وحرية التعبير والحريات والحقوق للمواطنين ليكون بذلك الشكل الاقرب للصياغة الحديثة لمبادئ مستقرة للديمقراطية ،اما الثاني فهو يمثل أساليب وخطوات الاصلاح السياسي والاجتماعي ككل كما هو الحال في اعتماد آليات الرقابة على السلطات العامة واعتماد الشفافية في مؤسسات صنع القرار عبر الالتزام بسيادة القانون والقدرة على تعزيز فرص المشاركة واحترام حقوق الانسان ومكافحة الفساد ، اي ان معايير الجودة تتطلب التطبيق المتعدد وفي مجالات عدة .
ليكون بذلك التشريع عملية تتطلب قدرا مترابطا من القواعد في اطار فكري ومعرفي لما لذلك من صلة بالعلاقة بين الحكام والمحكومين وبين سلطات في الدولة ذاتها ليكون لذلك الاثر المباشر في ضبط سير الحياة بتباين مناحيها وعلاقاتها لتكون احدى وسائل الضبط الاجتماعي تحقيقا للتوازن المرجو لاستقرار وامن المجتمع ، ليكون التشريع هو الاثر الضابط بكونه مجموعة من القواعد العامة المجردة تتميز بطبيعتها الالزامية والتي تفرض الزامها على المخاطبين بأنواع مختلفة من التدابير والجزاءات المتدرجة في مداها بقدر أهميتها وجسامتها ومقدار الحماية التي تتطلبها وتنوعها بين المدني والاداري والجزائي لينهض القانون للتصدي لتلك المهمة ابتغاء التوفيق بين المصالح المتعارضة وفق فلسفة واضحة المعالم محددة الاهداف والتي قد تسود خلال فترة ما لسريان القانون ونفاذ احكامه ، ليأتي دور المشرع في حسن اختيار التشريع وما يترافق معه من تدابير وجزاءات تلائم أحكامه سواء من حيث تحديد نوعه ومقداره وآلية تنفيذه لما لذلك من صلة في تحقيق أهداف القانون وترسيخ قيم العدالة .
فالتشريع كقواعد مكتوبة لا يستغرق المفهوم الكلي للقانون باعتبارها قواعد عامة مجردة ملزمة تحكم العلاقات الاجتماعية صادرة عن السلطة التشريعية في الدولة اذ ان بعض تلك القواعد تسود كفلسفة قانونية خلال فترات معينة ترجح بعض الاعتبارات على الاخر ليكون بذلك التشريع ابرز مظاهر القانون ، فإقرار وجود التشريع تتجلى من خلال تطبيقه وانفاذه كضمان لتطبيق احكامه على علاقات الافراد في المجتمع عبر مراعاة المعايير عامة ونوعية لضمان جودة التشريع .
ولأهمية الصياغة التشريعية فلا يجب ان يتولاها الا من كان اهلا لها فهي تأتي عبر الخبرة والموهبة والالهام والعمل المتواصل بها فهي مهنة الصبر والدراسة والتعمق كي يتسنى اعداد قاعدة قانونية سليمة تحقق الهدف المرجو من غاية التشريع ليكون بذلك بناء متكامل من مقدمته ومتنه وخاتمته ،لتكون بذلك الصياغة التشريعية عنصرا رئيسيا من عناصر تكوين القاعدة القانونية الصالحة للتطبيق.

د. ايناس عبد الهادي الربيعي مركز الدراسات الاستراتيجية