مقبرة تفتح النفس
مع الإنتقادات اللاذعة التي يوجهها معتنقو ديانة السوشيال ميديا لتوجهات نحو التأسيس لمقابر نموذجية، لكن الفكرة ليست سيئة لجهة إننا كمسلمين نمتهن الحزن، والحديث عن الموت والآخرة، وحفر القبور وتزيينها، وبناء الشواهد عليها لترتفع عالية بمايخالف الشريعة لجهة التوصيات الدينية التي توصي بالقبور الدارسة، وإتخاذها عبرة، ومن ذلك قول الرسول الأكرم، كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر بالآخرة، ولعلنا نتمنى أن نراها كحديقة غناء مزهرة، وربما كان سبب أن مقابر المسلمين شاحبة ومخيفة يعود لعقيدتهم التي تنهى عن الإعتناء الفائق بها وتزيينها.
في النجف أكبر مقبرة على وجه الأرض، وقد مضى عليها عشرات القرون، ومنذ ظهور القبر الشريف للإمام علي فيها حيث أخذ الناس يدفنون موتاهم طلبا للشفاعة والتبرك، وكثير من الشيعة في العراق، وبلدان الجوار والعالم ينقلون موتاهم إليها حتى إتسعت وإمتدت على نحو كبير في الصحراء، وقد سمعت السيد مؤيد الجبوري وهو مستثمر يتحدث عن تهيئة أرض لتكون مقبرة نموذجية في النجف، وهو عمل يمكن أن يسهم في وقف العشوائية في الدفن، والإتساع الذي يخالف هندسة المقابر التي يجب أن تعتني بالمكان والحضور، والقدرة على الوصول، والأمر كله تدبير لاعلاقة له بإيذاء النفس، وتخريب الوجدان كما فهمنا في وقت سابق حيث يعترض الناس لفرط حزنهم ومعاناتهم على مثل هذا الشكل من التفكير والتخطيط.
في بلاد أوربية وفي أمريكا وكندا، ودول في الغرب والشمال يعتني الناس بالمقابر بطريقة تلقائية فهي مزروعة بالأشجار والأزهار، وتمتد فيها دروب معبدة للمارة، ومواقف سيارات، ويغطيها النجيل الأخضر، وكنت مررت بمقبرة في واشنطن العاصمة، وكانت مبهرة ورائقة، ولاتبعث الخوف في النفس، ومثل ذلك في مقبرة جنوب طهران، وربما كان خراب مقابرنا إنها في مناطق صحراوية وحارة ومزعجة، وربما يكون لعامل البيئة أثر سيء في خياراتنا في الحياة، وفي الموت.
هادي جلو مرعي