كردستان تؤبن الحكيم
تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
بقلم عباس البخاتي
بعيدا عن حاضنته الإجتماعية، الحكيم يؤبن في كردستان..هكذا يبدو المشهد للمتابع للحدث من زاويته الخاصة، فبعد أن شهدت العاصمة بغداد حضورا جماهيريا واسعا، بمناسبة يوم الشهيد العراقي والذي يصادف الذكرى السنوية لاغتيال “محمد باقر الحكيم ” ، الرجل الأبرز في المعارضة العراقية أبان حكم صدام_تفاعل الإعلام بإهتمام لافت لخطوة القيادات الكوردية في إقامة حفل تأبيني، لتلك المناسبة في السليمانية واربيل، والذي دعي له عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة وحضرهما كبار المسؤولين في الإقليم، وعددا من المفكرين وطيف واسع من الأدباء والكتاب، ورجال الأعمال والسياسة والإعلام.
بعيدا عما قيل في الاحتفالين وبغض النظر، عن الآثار التي ستترتب على التفاهمات، التي جرت على هامش المناسبة، تطرح بعض التساؤلات حول الدوافع التي وجد القادة الكورد أنفسهم مندفعين حيالها لإقامة هكذا محافل؟
هنالك عدة تصورات تطرح عند تحليل هذا الحدث، منها ما هو متعلق بثقافة المواطن الكوردي، ونظرته لبناء علاقات مستقبلية، متخذا من المظلومية التي عاشها تحت حكم الانظمة المتعاقبة، منطلقا لإستذكار المواقف الإيجابية التي تبنتها مرجعية السيد “محسن الحكيم ” الوالد ” خصوصا فيما يتعلق بفتوى حرمة قتال الأكراد، فكأنه نوع من الوفاء لهذا الموقف الذي سارع الأكراد قبل غيرهم لتثمينه والإشادة به، خصوصا وأن الزعماء في الإقليم يرون في تلك المواقف، أساسا لقاعدة صلبة تؤسس عليها علاقة مميزة، مع مرجعية الشيعة، لتأخذ مكانتها المستحقة في فهم الأجيال اللاحقة.
يضاف إلى ذلك المنهج الذي سار عليه الحكيم الشهيد، في تعامله مع الأكراد وموقفه من قضيتهم، والذي يبدو انه منهج ثابت، وسلوك عند من تصدى للعمل السياسي بعد حادثة اغتياله في الأول من رجب من عام ٢٠٠٣.
حساسية الوضع وتداعيات الصراع الإقليمي، وتأثيره المباشر في الساحة العراقية، وتقدير المزاج السياسي الكوردي لصعوبة المرحلة، وما يتطلبه الموقف من تفاهمات وتقارب مع الشركاء، ربما يكون دافعا اخر..
ربما هنا رأي أخر بأن الكرد أرادوا للمناسبة، ان تستثمر بغية إيصال رسالتهم الى الداخل العراقي والجوار الإقليمي، خصوصا بعد سلسلة أحداث مهمة، ساهمت في تغيير بوصلة الخطاب الكوردي، الذي شهد تحولا مهما بعد إستباحة داعش، لبعض المدن العراقية والتي كانت مواقف أبناء الوسط والجنوب، من أهم ركائز النصر خلال عمليات التحرير، ناهيك عن الانطباع الخاص، لدى اغلب النخب الثقافية في الإقليم، بعد فشل خطوة الاستقلال التي تبنتها أطرافا معينة هناك.
أمر آخر اثير من قبل بعض المراقبين يتعلق بغياب التفاعل مع ذكرى “تفجير النجف الدامي” كما يحلو للبعض تسميته، عن أروقة الأحزاب والمسميات التي كانت جزءا من الحركة الميدانية، التي تبناها الحكيم فضلا عن تلك التي تتبنى نفس الخطاب الأيديولوجي، الذي طالما صرح به خلال معارضته لنظام البعث.
بغض النظر عن المقاصد والغايات التي تجول في أذهان، من أطلقوا تلك التساؤلات، إلا انها لازالت اسئلة بحاجة إلى إجابات شافية.
حيث أن أغلب المسميات السياسية الفاعلة، خصوصا في مدن وسط وجنوب البلاد، تتبنى نفس النهج السياسي الذي أسس له الحكيم، بلحاظ الظروف التي فرضت عليه تبني هكذا نهج، يضاف اليه إن بعض العناوين الجهادية الفاعلة في الساحة، كان تأسيسها تحت انظاره ايام الصراع مع سلطة البعث، والتي قيل ان بعضها كانت تأخذ الموقف الشرعي منه، بخصوص مجمل القضايا والتي وصل بعضها حد الصدام المسلح مع السلطة.
بالرغم من تحول أغلب تلك المسميات، الى واجهات مدنية إندمجت في العمل السياسي،بعد التغيير، وتحولها من جهات مسلحة بعناوين معروفة، الى واجهات سياسيةبعد إنتفاء الحاجة إلى حمل السلاح، كون المرحلة تتطلب الشروع بالبناء الداخلي، وفق رؤية سياسية بطابع مدني، ينسجم مع طبيعة العراق الجديد في ظل دستوره النافذ، حيث ساهم هذا الأمر في مسك تلك العناوين لمفاصل مهمة في الدولة العراقية، وساعد في إعادة صياغة وضعها الخاص، وإعادة تمركزها ضمن المعادلة الجديدة، وبالتالي فإن هذا الامتياز، يبقى لشخص الحكيم كون هؤلاء، دخلوا المعترك السياسي من الواجهة الأوسع، التي يمثل الحكيم قطب الرحى فيها..
ان ما تناقلته وسائل الإعلام من مشهد معين، في مدن كوردستان التي استذكرت فاجعة الحكيم بمرارة وألم، يعيد للأذهان صورة تعكس عدم إنصاف هذا الرجل من أقرب مقربيه، فضلا عن الحاضنة الاجتماعية التي ينتمي إليها، ضمن خارطة النسيج الاجتماعي العراقي، ناهيك عن الجهات التي تدفع أتباعها لتمزيق صوره وإزالة آثاره، من شوارع وساحات مدن الوسط والجنوب، ولا يعتقد أن الأمر سينتهي بمحاولة حرق مرقده، من قبل بعض أتباع الاحزاب والتيارات السياسية في ساحات التظاهر.