المقالات
العتبات المقدسة وسهام حرملة المستنسخة..
لم يلتفتْ حرملةُ -وقد أعمى الحقدُ بصرَه وبصيرتَه- إلى براءةِ طفلٍ تحملُه أكفُّ خامسِ أصحابِ العباء، يلتمسُ له من الماء ما يروي به عطشه، فآثرَ أنْ يقطعَ نزاعَ القومِ ويطرب لنعيقِ الغراب.
لم يلتفتْ حرملةُ -وقد رانَ على قلبِه- إلى أنوارِ النبوّةِ والإمامةِ وهي تحلُّ بأرضِ كربلاءَ، فأطلقَ من السهامِ ما ضجّتْ له السموات لتتملكه نشوةُ القتلِ وتغلبُه طباعُ البهائم.
لم يلتفتْ، ولم يُبصِرْ، ولم يسمعْ، ولم يتدبرْ، ولم يوفقْ، ولم يرعوِ، أو يمتنع، أو يترددْ، هو وحشٌ يُعيدُ مجدَ وحشيّ هند، حتى كأنَّ استساغةَ مضغِ الأكباد أصبحتْ مُتلازمةً اعتادتها بطونُهم فصُمَّتْ آذانُهم عن صوتٍ يُنادي “فَيَمْلَأَنَ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً، وَ أَجْرِبَةً سُغْباً”.
رماةُ السهامِ -بعدَ الطفِّ وفي كلِّ زمان- يتتبعونهم رميمًا، يتربّصون بهذه الأنوار أنْ تسطعَ من مراقدِهم فيُرشِقونَها بسهامٍ مُثلثةٍ مسمومةٍ تُريدُ إطفاءها، والله مُتمٌّ نوره ..
سهامُهم مُستنسخةٌ إلى حدِّ الملل والضجر .. مُستنسخةٌ إلى حدِّ الغثيان، أكاذيبُ وترهاتٌ وكلماتٌ صدئةٌ ونتنةٌ تفوحُ منها رائحةٌ تُزكِمُ الأنوفَ، أعانتْهم على إطلاقِها تلك الأدواتُ الحديثةُ ومواقعُ التواصلِ التي صارتْ في كثيرٍ من الحالات منبرًا لمن لا منبر له، وأنطقتِ الرويبضة بما طابَ له من الهُراء ..
تأملتُ في بعضِها حينَ وقعَ حادثٌ أبدتِ العتبةُ العباسيةُ المُقدسة حياله موقفًا شجاعًا، وأوضحتْ وبيَّنتْ ما يكفي لإفهامِ من رزقه الله (تعالى) عقلًا راجحًا. كذلك ما فعلته العتبةُ الحسينيةُ المُقدسة حيالَ ما جرى تداولُه بخصوصِ أرضٍ مُستثمرةٍ في كربلاء وبما يكفي لتتضحَ الصورةُ والمشهدُ ويزول الالتباس عندَ مَنْ يُهمُّه الأمر، لكن ما نُشِرَ من تعليقاتٍ في هذهِ المواقع لم يكنْ إلا سهامَ حرملةٍ جديدةٍ مُعدَّة ومُهيئة للنيلِ من مقامِ هذه العتبات.
وكما أنَّ حرملةَ لم يلتفتْ لقداسةِ أنوارِ النبوّةِ حسدًا وحقدًا فإنَّ هؤلاءِ كذلك لم يلتفتوا لمنجزاتِ هذه العتبات، وجهودِ القائمين عليها والعاملين فيها وهم يملؤون هذه الأرض بمشاريعَ وخدماتٍ عجزتْ عن تقديمِها حكوماتُ المُحاصصةِ والفسادِ والصراعات والنزاعات.
إنْ أرادَ هؤلاءِ أنْ نُدوِّنَ هنا ما كتبوه زورًا وبُهتانًا وكذبًا وتدليسًا لفعلنا، ولكن نتركُ ذلك إيمانًا بأنَّ أقلامَ الحقدِ لن ترى سرورًا حين تجتمعُ الخصوم وأنَّ سهامَ حرملةَ ستنكسرُ عندَ القبابِ السامية.
بقلم حسين فرحان