بتجليات عدة عبر زمن ممتد من ابراهيم (عليه السلام) الى محمد (ص) بمسيرة طويلة نتيجتها الديانات الثلاث الكبرى على ما تحفل به كل منها من صيغ اعتقادية تحمل دلالات ذات هدف سامي للمجتمع ولا سيما ان اي ديانة تحمل بداخلها تأكيدا على الحب والتسامح ، فالدين كمصطلح مثير للجدل يعرف عادة بانه الاعتقاد المرتبط بما فوق الطبيعة وكذلك المرتبط بالقيم الاخلاقية العليا فمعظم الاديان تنظم سلوكيات البشر بما يشكل الالتزام او العضوية في ذلك الدين ، فالأديان الرسالية بما تتجلى به من جوهر غير متباين لاتحاد مصدرها واشتراكها في الدعوة الى التوحيد مع التحلي بالموضوعية والرحمة والحرص على الانسان كقيمة ومعنى سامي على اختلاف انتمائهم لنكون امام نموذج من التسامح والمصالحة للارتباط الوثيق بين الدين وصنع السلام في كافة انحاء العالم ، فالديانات الابراهيمية باعتبارها بؤرة الرسالات الالهية ومنطلقها ، فلأنسان مجبل بفطرته على تلقي الخير والشر ليأتي جهد الانسان في تزكية نفسه وتطهيرها وهو ما يشير اليه قوله تعالى وقوله الحق : ( ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) لذا فالنفس الانسانية قابلة للهدى والضلال والصلاح والفساد فالسعيد من ارتقى بعمله عن الشقاء والظلام والشقي من دنسها به وهو ما يتأكد بقوله (ص) : ( كل الناس يغدو فباتع نفسه فموبقها او معتقها) ليؤكد ذلك العالم الامريكي ( مكدوجل) بقوله : ( ان كل نزعة من النزعات الفطرية هي ينبوع من الطاقة اما ان هذه ستتجه الى الخير ام الى الشر فأمر يتعلق بتوجيهها الى غاية نبيلة او وضيعة كما يتعلق بالتحكم الرشيد في هذا التوجيه) وبما ان النزعات الفطرية قادرة على فعل الخير والشر كان من رحمة الله تعالى بالناس الا يتركهم لفطرهم التي قد تنحرف ولا لعقولهم التي قد تزيغ فارسل الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على حجة من بعد الرسل ، لذا كان الرسل يقدمون نظام كاملا متكاملا من العقيدة والعبادة والعمل والسلوك ليكون القران خاتم الكتب والاسلام خاتم الاديان بدمج عجيب بين العقائد والمعاملات والادب والاخلاق لنجده نسيجا مترابطا لنجد القران قد جمع في آية واحدة من آياته بين العقائد والعبادات والمعاملات والاخلاق وجعلها بمجموعها تفسيرا لخلق واحد من اخلاق الاسلام وهو ما تجلى بقوله تعالى : ( ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب لكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون ) لذا فعقيدة الايمان بالله و وحدانيته ذات جذور واصول تستقيم بالعبادات والمعاملات والاخلاق اذ ان الايمان في الاديان السماوية قد حل مشكلة الاخلاق التي اعيت المفكرين والفلاسفة ليظهر دور الرسالات السماوية في تهذيب النفوس وتطهير القلوب .
بقلم د. ايناس عبد الهادي الربيعي مركز النسيم للدراسات الاستراتيجية