نحن دائما على أعتاب دكتاتورية
تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
بقلم : هادي جلو مرعي
سألني مقدم البرنامج، عن إمكانية قيام نظام دكتاتوري في العراق؟ فأجبت: نحن دائما على أعتاب دكتاتورية. لكن لابد من التذكير بأن بناء الدكتاتورية ليس أقل صعوبة من إسقاطها، فليس من شيء هين تحقيقه في هذه الحياة البائسة، وكله يتطلب صراعا ومقاومة وتضحيات.
الدكتاتورية مقيتة للغاية، جربناها وعشنا في ظلها، وعشنا في ظل الفساد والقسوة والتسلط الديني والسياسي، وغلبة القوميات والطوائف، ولم نعش (تحت ظلال الزيزفون) كما في روايات (مصطفى لطفي المنفلوطي) لكننا برغم ذلك نعذر البعض ممن يخشون ذلك لأنهم مايزالون قلقين خاصة وإن تجربة الديمقراطية ليست أقل سوءا من الدكتاتورية طالما أنها مثلت فرصة لبعض الفئات لتستحوذ على المال والسلطة، وتنهب الدولة ومقدراتها، ومثلت بسلوكياتها تلك روح الدكتاتورية الخبيثة، ولونا من ألوان النفاق الإجتماعي حين يرفض الإنسان سوءا، ويتصرف بسوء أكبر منه، وعلى قاعدة
لاتنه عن خلق وتأتي بمثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
لكن لماذا نحن دائما على أعتاب بناء دكتاتورية؟ ومثلنا في ذلك مثل التي تنقض غزلها أنكاثا، أو كمن يبني بيتا على الرمال وبلاأساسات، فيتعرض الى التصدع، ويكون بحاجة مستمرة الى الترميم والتبديل والتعديل، وعندما تسقط دكتاتورية تعقبها الفوضى، فننشغل بتضميد الجراح عن بناء الإنسان والوطن، وترسيخ مفاهيم الحكم الرشيد الذي نحتاج إليه لنتمكن من تحصين بنية السياسة، والشروع بتأسيس كيان دولة حقيقية، وحينها تكون الأبواب مشرعة لنوايا وتوجهات وأفكار تتضارب لتنتج شكلا من التخبط، ولايعود ممكنا حماية بنية الدولة، ومن بين الفوضى تتوفر عوامل مشروع الدكتاتورية، وقد قامت الدكتاتوريات عبر التاريخ على أساس الرغبة بالقهر والظلم والفوضى، والبقاء تحت ظل التجبر والطغيان حتى إن المجتمعات الإنسانية عادة ماترث ذلك، وتتنعم به، وتستهويها الدكتاتوريات الدينية والسياسية، وتتحسر عليها حين تندثر وتحلم بها وترى صور الدكتاتور كقديس على وجه القمر لأن البديل ليس بديلا حقيقيا يملأ الفراغ، ويوفر ضمانات العيش الكريم والإحترام للإنسان وحاجاته الأساسية، ويجد المنقلبون والدكتاتوريون حين يشرعون بفكرة الهيمنة على المجتمع أن هناك عوامل تساعد في ذلك خاصة فشل الديمقراطية، وتغييب قدرة الحكومات على الإقناع، والفساد والمحسوبية والإستئثار بالمنافع التي تنحصر بجهات، ويحرم منها غالب المجتمع المتضرر في كل الأحوال.