الحرية لا تأتي بمرسوم
تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «وكالة نسيم كربلاء الخبرية»
🖋️ بقلم : الاستاذ الباحث الشيخ محمد الربيعي
عظم الله اجركم بذكرى استشهاد الامام جعفر بن محمد الصادق ( ع )
محل الشاهد :
عندما ندرس تراث الإمام الصّادق(ع)، نرى أنه تراث يملأ عشرات الكتب في مختلف قضايا الإنسان و الحياة و الإسلام ، و نحن نحاول أن نتحدّث عن مسألة مهمة تتصل بقضايا الحرية في الإنسان ، فهناك كلمة للإمام الصّادق (ع) في الحريّة، يؤكد فيها أنَّ الحرية للحرّ لا تنطلق من مرسوم يصدر إليه عن ملك أو خليفة أو صاحب سلطة ليمنحه إيّاها، بل إن الحرية تأتي من داخل الإنسان ، من إرادته الحرّة التي تنطلق من عمق ذاته ، فالإنسان قد يكون حرّاً وهو في الزنزانة الضيّقة ، وقد يكون عبداً و هو في متاهات الصّحراء ، فالحرية هي حرية الإرادة و الموقف ، و ليست حريّة الحركة .
يقول الإمام الصّادق (ع) فيما روي عنه: إنَّ الحرّ حرٌّ في جميع أحواله ـ سواء كان في السجن أو في الآفاق الواسعة ، فلا يمكن أن يكون عبداً أو ذليلاً فيما إذا سُجن أو ضُيّق عليه ـ إن نابته نائبة صبر لها ـ إن أصابته مصيبة صمد أمامها ، لا يسقط و لا يتنازل لمن يريد استعباده ـ وإن تداكّت عليه المصائب ـ أطبقتْ عليه ـ لم تكسره ، و إن أُسر و قُهر و استُبدل باليسر عسراً.
ثم يقدّم نموذج النبي يوسف (ع) ، فيقول: كما كان يوسف الصدّيق الأمين (صلوات الله عليه) لم يضرر حريته أن استُعبد ـ لأنه بيع كما يباع العبيد ـ وقُهر و أُسر ، ولم تضرره ظلمةُ الجبّ و وحشتُه و ما ناله أنْ منَّ الله عليه، فجعل الجبّارَ العاتي ـ الملك الذي كان يحكم مصر ـ له عبداً بعد أن كان له مالكاً ، فأرسله ـ نبيّاً ـ و رحم به أمّةً ، و كذلك الصبر يعقب خيراً ـ فالإنسان الحرّ يحتاج إلى أن يصبر على ما يلاقيه من الآلام و المشاكل ممن يريدون أن يستعبدوه و يأسروه و يضيّقوا عليه، كما نلاحظه الآن لدى المستكبرين الذين يريدون أن يستعبدوا الشعوب ويصادروا أوضاعهم السياسية والاقتصادية ـ فاصبروا و وطّنوا أنفسكم على الصّبر تؤجَروا .
و يقول الإمام الصّادق (ع) : خمس خصال من لم تكن فيه خصلة منها ، فليس فيه كثيرٌ مستمتَع ـ و هو ليس من الأشخاص الّذين يمكن للإنسان أن يستمتع بشخصيّاتهم و يقدّرها و يعظّمها ـ أولها الوفاء ، و الثانية التدبير ـ أن يدبّر أموره بما يصلحها ـ والثّالثة الحياء ـ أن يملك الحياء في علاقته مع الناس ـ والرابعة حُسن الخلق، و الخامسة، وهي تجمع هذه الخصال، الحرية”، فالإنسان الحرّ هو الذي يجمع كلّ هذه الخصال و يؤكّدها في سلوكه و أوضاعه و علاقته بالواقع كلّه، فهو يتحرك بإرادة لا تسقط أمام التحدّيات و المشاكل، بل يبقى حرّاً أمام كلّ الصّدمات التي قد يفرضها عليه الآخرون.
وقد أخذ الإمام الصّادق(ع) هذه المسألة في موضوع الحرية من الإمام عليّ(ع) الذي يقول: “أيها النّاس، إنّ آدم لم يلد عبداً و لا أمَة، و إن الناس كلّهم أحرار”، فكلّ أولاد آدم أحرار لم يستعبدهم أحد.
وفي كلمة عنه(ع) : لا تكوننّ عبدَ غيرك ـ لا لملك و لا لأمير أو لزعيم أو لغنيّ، أو لأيّ أحد ترجو ماله أو جاهه، لا تُخضع نفسك له و لا تستعبد ذاتك له ـ وقد جعلك الله سبحانه حرّاً”، فالله هو الذي أعطاك الحرية التي هي جزء من كيانك و ذاتك ، وليس لك أن تتنازل عنها ، لأنَّك لا تملكها ، فهي من سرّ إنسانيّتك و وجودك .
وورد عنه (ع) : لا يسترقنَّك الطّمع وقد جعلك الله حرّاً .
و عنه(ع) : الحرُّ حرٌّ و إنْ مسّه الضرّ ، و العبدُ عبدٌ و إن ساعدَه القَدَر .
و يقول الإمام الصّادق(ع): إنّ صاحبَ الدّين رَفَضَ الشهوات فصار حرّاً .
نسأل الله ان يحفظ احرار العالم
نسأل الله ان يبقي العراق و شعبه احرارا .