مركز النسيم للدراسات الاستراتيجية

💠 دروس من عاشوراء 💠

إنّ واقعة عاشوراء واقعة ملهمة تعطي عند استحضارها والإمعان فيها دروساً مختلفة عملية لكل مؤمن، بل ولكل إنسان في جميع المعاني الراقية الراشدة والحكيمة والأخلاقية والإيمانية، ومن هذه الدروس:
١- تبصّر سبيل الحق والرشد في الفتن والشبهات الاجتماعية والسياسية، فقد كان المجتمع آنذاك مبتلى بالشبهة في أمر التعامل مع السلطة القائمة رغم ما كان يمثلها من استبداد واستهتار بالمبادئ الإيمانية والعادلة.

فهل تجب المداراة معها حفاظاً على النفس والدم وتجنباً عن محاذير القتال بين المسلمين.

أم يجب الوقوف بوجهها والصدام معها. ولقد قدم جمع من قرابة الإمام وغيرهم من الوجوه المشورة للإمام (ع) بالبيعة مع السلطة، إلا أنّ الامام (ع) رأى أنّه لا يصح ذلك منه وهو سيد أهل البيت (عم) وسبط رسول الله (ص) والشخصية الأولى في المجتمع الإسلامي بعد ما بلغ الاستبداد والاستهتار بالدين والعدالة إلى هذا المستوى الفظيع الذي تمثل في تولي يزيد الخلافة مع سلوكياته المستهترة والشائنة المعروفة في التاريخ.

٢- الإيمان بالله سبحانه والدار الآخرة إيماناً مؤكداً يستتبع التسليم والصبر والرضا بقضاء الله سبحانه وقدره وتهون معه كل تضحية وفداء حتى لو اقتضى بذل النفس والولد والقرابة والأزواج وكل ما يملكه المرء، عندما تستوجب الوظيفة الإيمانية اتخاذ موقف يقتضي ذلك، ويمثل هذا الإيمان كلمات الإمام (ع) في ذكر الله تعالى والدار الآخرة دائماً وتهوين كل ما نزل به ما دام أنّه بعين الله سبحانه وفي محضره. وجعلها الغاية من وراء هذه التضحية في سبيل الدين وكذلك تمثل هذا المبدأ في سيرة أقاربه وأصحابه وأهل بيته.

٣- الأخلاق العالية بمختلف أصنافها من الحلم والمروءة والوفاء والصبر والمواساة فمشاهد واقعة كربلاء مليئة بهذه المعاني، ومن مظاهر الحلم الفريدة للغاية تعامل الإمام (ع) مع الحر بن يزيد مع ما صدر منه من قبل من الصدود المؤذي للإمام وأهل بيته وأصحابه، ومن مظاهر الوفاء وفاء المأموم للإمام بالحق في أحلك الظروف وأصعبها كما عبرت عنه كلمات أصحابه (ع) جميعاً. وكذلك وفاء الأخ لأخيه بالحق ولأخته، ووفاء الأخت لأخيها، ووفاء الزوجة لزوجها إلى غير ذلك مما تجلّى في كل مشهد من مشاهد هذه الواقعة.

٤- الكمالات النفسية بأنواعها من قبيل الشجاعة البالغة والعزيمة الأكيدة وعزة النفس والارتقاء عن الأمور الوضيعة والعابرة ورباطة الجأش في الشدائد، وعدم الخضوع للظالمين، وذلك أيضاً ملأ هذه الواقعة وسيرة الإمام وأصحابه وأهل بيته فيها.

٥- وجوه العظة والاعتبار التي تقوي روح الحكمة في داخل الإنسان، وهي كثيرة جداً، منها عموم الابتلاء في هذه الحياة وشموله للأصفياء من عباد الله سبحانه حيث نجد أنّ الله سبحانه ابتلى الإمام (ع) ومن معه وهم صفوة الخلق بأنواع من الابتلاء، مما يجعلهم أسوة للمؤمنين وسائر الناس في الالتفات إلى سنن هذه الحياة وما طبعت عليه من الابتلاء وما ينبغي للمرء من الصبر والتسليم لله سبحانه والقناعة والاستحضار لمواقع النعمة في جميع الأحوال ومختلف صروف الحياة وظروفها، ومن جملتها: غرور هذه الحياة وسرعة زوالها، مما ينبه المرء على أن لا يجعلها غاية ولا ينصب العلو فيها هدفاً، بل يستثمرها على النحو الأمثل للحياة الباقية لينال كرامة الله سبحانه في هذه الحياة وما بعدها. ولقد تعلق أناس ممن قاتل الحسين (ع) طمعاً في دنيا زائلة لم ينالوها فخسروا بذلك الآخرة والدين، وفي ذلك عبرة للمرء في أن لا يهون على نفسه المظالم والمعاصي طمعاً في التوفيق للتوبة أو الحصول على مغنم، وابتلاءات الحياة متماثلة في الأزمان كلها ولكن تختلف صورها.

٦- تكريم الله سبحانه لأوليائه في حياتهم ومماتهم حيث نجد أنّ للإمام (ع) كرامات عديدة في ضمن هذه الواقعة منها استجابة دعائه على بعض من تعرض له (ع) تعرضاً قبيحاً، كما أكرمه بموقفه لله سبحانه بعد مماته بأن جعله إماماً ونبراساً خالداً ومعيناً لا ينضب في طريق الدين والحق والإنسانية وكذلك الحال في أهل بيته (ع) واصحابه.

٧- أهمية الدين والعدل ومراعاة القيم الدينية والإنسانية مثل العدل والصلاح الاجتماعي ورعاية العفاف والحجاب والإيثار وتحمل المرء للمسؤولية والتسليم بالحق وغيرها.

🔹وإنّ الإنسان المؤمن، بل كل إنسان ليجد حقاً في تفاصيل هذه الملحمة مصدراً ملهماً للرشد والحكمة والإيمان والعزيمة والصبر والثقة بالله سبحانه والارتقاء عن المادة وسائر المعاني النبيلة في كل موقف يتعرض له في هذه الحياة ولاسيما المواقف الصعبة .

🔹وقد لاحظنا بالأمس القريب كيف أنّ الشعب العراقي بجميع أصنافهم رجالاً ونساءً من أولاد وآباء وأمهات وأخوات استلهم من هذه الثورة معاني العز والكرامة والثبات والصبر وتأتى له دحر الجماعات المسلحة الضالة التي أرادت قهرهم وتحقيرهم وغصب أموالهم فاستلهموا من ثورة الحسين (ع) ما أحرزوا به صلاحهم وصلاح أهاليهم في هذه الحياة كما نالوا به الدرجات العلى عند الله سبحانه.

✍🏻:بقلم : آية الله السيد محمد باقر السيستاني

تعليق واحد

اترك رد

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار