بدا الامر كأنه مزحة، لكنه لم يكن كذلك لدى ما يُعرف “مجلس شورى الدولة الاسلامية”، حين اصدر تنظيم داعش جوازات رمزية تحت مسمى “جواز الخلافة الاسلامية” مُهمشا على الاسفل بعبارة “حامل هذا الجواز تسيّر له الجيوش لو مسّه ضرّ” على غرار العبارات السيادية على الجوازات العالمية، اصدر الامر بفارق زمني قياسي بعد اقل من شهر على اعلانه الخلافة المكانية في العراق وسوريا “داعش”، جاء ذلك بعد حصول التنظيم على ١٥ الف جواز عراقي وسوري، كان اكثر من ١١ الفا منها سوريا، وقد روّج من خلال منصاته عن هذه الجوازات برمزية تاسيس دولة خلافة على غرار الدولة النظامية، الامر الذي استدعى وزارة الداخلية العراقية -حينها- الى مخاطبة الانتربول الدولي؛ لاشعاره بابطال الجوازات واعتقال من يحملها فورا
بعد ثلاث سنين بالتحديد، اصدرت الصحيفة المانية “بيلد إم سونتاغ” تحذيرا من وجود حملة جوازات مزورة بعد ان استطاع داعش الحصول قسرا على ١١ الف جواز سوري فارغ، رافق تلك الحقية مزاعم عن امتلاك التنظيم اجهزة طباعة جوازات دقيقة، سواءً باستيلائه عليها او عن طريق السوق السوداء عبر الانترنت، خاصة انه يملك باعا في التعاملات التجارية المشبوهة (غير القانونية) عبر الشبكة العنكبوتية، وقد اشارت المصادر الاستخبارية الاوروبية عن دخول عناصر “داعش” من الرعايا الاوروبيين الى دول اوروبا عبر مهربين دوليين باستخدام الاراضي التركية، في سياق متصل داخل اوروبا تحديدا في فرنسا، اعلنت الخارجية الفرنسية عن هويات منفذي “اعتداءات باريس” والتي راح ضحيتها ١٣٠ شخصا في تشرين الثاني من العام ٢٠١٥، مستدلّة على الامر بعثورها على جوازات سفر سورية مزوّرة في اماكن المداهمة والتفتيش للمتهمين بهذه الاعتداءات، في اشارة الى ان داعش طوّر قابلياته وقدراته بعمليات عكسية، من “دولة الخلافة في العراق والشام” الى “ارض الهجرة الاولى” او ما يُعرف في ادبيات التنظيم “دول الكفر”
بفارق زماني يجدد داعش اليات السفر ويبتكر تكتيكا جديدا، وعلى الاغلب بتواطؤ دولي كما اشارت الاتهامات العالمية المتكررة الى الرعاية التركية للارهاب في اكثر من صفحة صحافية، فتحت عنوان “ازدهار صناعة جوازات السفر المزوّرة لتسهيل دخول عناصر داعش الى اوروبا وحتى الولايات المتحدة” طرحت صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقا لها بهذه القضية المتعلقة بالامن القومي العالمي تقول فيه: “إن صناعة الإنترنت المتخصصة في جوازات السفر المزورة، مع إعطاء تأشيرات رسمية وطوابع سفر، قد ازدهرت مؤخرا ما يتيح للأشخاص الذين لديهم روابط بتنظيم “داعش” فرصة مغادرة سوريا والسفر إلى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة، وبين خلال تحقيقها ان من يُدير إحدى هذه الشبكات، أوزبكي الجنسية، لديه روابط مع متطرفين في تركيا، تبيع الآن جوازات سفر مزيفة تصل قيمتها إلى 15 ألف دولار
وعلمت الصحيفة أن 10 أشخاص على الأقل عبروا الحدود السورية بشكل غير قانوني إلى تركيا وغادروا عبر مطار إسطنبول، مستخدمين جوازات سفر مزورة، وإنه في حالتين على الأقل تمكن الأشخاص من السفر من إسطنبول إلى المكسيك بجوازات سفر روسية مزورة، ومن هناك عبر الحدود بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة، كما اشارت الى ان: “النيجر وموريتانيا هي أيضا وجهات شهيرة، مثل أوكرانيا وأفغانستان”، متهمة بصورة ضمنية الدور التركي في الرعاية للعودة المشؤومة..
رسالة شديدة اللهجة قد تكشف بعض نوايا المجتمع الدولي، وهل ادار ظهره عن “داعش” تجاه الامن العراقي بالتحديد؟
عقب احداث هجوم عناصر داعش على سجن “غويران” في الحسكة السورية المجاورة للحدود العراقية، بغية تحرير معتقلي التنظيم وما رافق ذلك من تهديد للامن القومي العراقي خاصة، وفي حديث جاد شديد اللهجة وجهه مستشار الامن القومي العراقي قاسم الاعرجي لقائد بعثة حلف الناتو في العراق مايكل انكر، ابلغ الاعرجي انكر أن: “الطريق الأسلم هو استلام الدول رعايها الموجودين في السجون، وهم قيادات في داعش، وفي حال عدم تسلمهم من قبل بلدانهم، فعلى الجهات الدولية نقلهم إلى مكان آخر، لكونهم يشكلون تهديدا حقيقيا، وأن قوات سوريا الديمقراطية غير مؤهلة للتعامل مع هكذا إرهابيين خطيرين، وأن إصرار المجتمع الدولي على إبقائهم يولد شكوكا، لافتا إلى أن هناك من يظن أن ثمة سيناريو قادم لإعادة داعش من جديد”
اما مايكل انكر قائد بعثة حلف الناتو في العراق، مستلم الرسالة أو “رسول الناتو” فقد اكتفى بتعليق خجول لا يتناسب وحجم الرسالة الشديدة، مكتفيا بالقول: “أنه سيوصل قلق العراق المشروع بشأن وجود إرهابيين خطيرين في مخيم الهول إلى حلف الناتو”
يطرح هذا اللقاء الساخن ذو الرسالة المسنّنة الحادة احتمالين او اكثر حتى اللحظة؛ الاول يتضمن تخوّف المجتمع الدولي من استلام رعاياهم البالغين خوفا من ان تتحول سجونهم الى مفاقس للفكر المتطرف و”جامعات جهادية” على غرار سجون العراق وسوريا، واخص بالذكر سجون العراق تحديدا، مثل “بوكا، ابو غريب، التاجي، الحوت..الخ” مرتكزين بالاستدلال على نجاح تجربة صناعة “القاعدة وداعش” في العراق من خلال السجون باعتبارهم الجامع والمُنطلق، وما يدعم هذا الاحتمال ان كثيرا من الدول ذات الرعايا من العناصر المتطرفة اكتفت باستعادة الاطفال والبعض القليل من البالغين بانتقائية كبيرة، والاحتمال الاخر هو المخاوف المستقبلية من ان يتحول عناصر “داعش” من رعايا دول اوروبا والولايات المتحدة على وجه الخصوص الى دعاة للتطرف والاسلام الراديكالي الجهادي في الاوساط المجتمعية في حال نالوا العفو تحت عنوان “مغرّر بهم”، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار – وليس بالضرورة يقينا – ما اورده (ادوارد سنودن ) العميل المنشق عن وكالة الاستخبارات الاميركية، تحت فرضية ما اسماه “عش الدبابير” القاضي بوجوب ارسال متطرفي العالم الى العراق وسوريا وغضّ النظر والمساءلة عنهم؛ لحصرهم في “مستنقع الجهادية العالمية”؛ لغرض السيطرة عليهم ضمن حدود خاصة، تلك البرغماتية ـ حسب الفرضية ـ التي انتجت لنا المستنقع العالمي الذي عُرف باسم “داعش”.